مدونة الدكتور محمد محمود كالو


من تكلم العربية فهو عربي، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


18/12/2022 القراءات: 1224  



من تكلم العربية فهو عربي

اليوم الأحد 18/12/2022م هو اليوم العالمي للغة العربية وبهذه المناسبة أقول: إن اللغة العربية لغة حضارية عريقة، وهي أعرق اللغات السامية لفظاً وسعة، ومن أرقى لغات العالم دلالة، وتركيباً واشتقاقاً، وفصاحة، واختارها الله تعالى فأنزل بها القرآن الكريم، وبها خاطب الله سبحانه الأنبياء، وتبنّاها الدين الإسلامي لغة رسمية للتبليغ ونشر الرسالة، وبها دونت أصول كل العلوم التي نراها اليوم.
وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ من تكلم بلسان العرب فهو عربي وإن لم يتحدر من سلالة العرب، فقد أورد المتقي الهندي في (كنز العمال) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيُّها النّاسُ: إنَّ الرَّبَّ ربٌّ واحدٌ، وإنَّ الأبَ أبٌ واحدٌ، وإنَّ الدِّينَ دينٌ واحدٌ، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، فإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي) [رواه السيوطي في الجامع الكبير، ورواه ابن عساكر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلاً].
تقول المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه): "كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صَرْعَى سحر تلك اللغة".
وكتاب (القانون في الطب) لابن سينا ظل يُدرس في الجامعات الأوروبية لمدة ستة قرون كاملة، ومكتبة قرطبة آنذاك كانت من أكبر المكتبات في أوروبا.
لكننا نشعر بالخجل عندما نقرأ عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، كيف عبر الأرض بحثاً عن دين سمع به ينتشر، فجاءه واعتنقه وعاش له وبه، ونقل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما سُئل عنه: (أدرَكَ العِلمَ الأَوَّلِ والعِلمَ الآخِرِ، بَحرٌ لا يُدرَكُ قَعرُهُ، وهُوَ مِنّا أهلَ البَيتِ) [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف].
فهل كان سلمان عربياً؟
وعندما فتح المسلمون شبه الجزيرة الإيبيرية -الأندلس- كان القُوطي نسبة إلى الدولة القُوطية التي فتحها المسلمين يقول لمن أسدى له خدمة وأراد شكره: "شكراً" بلغة عربية فصيحة، ويقول لحبيبته عندما يُعبر لها عن حبه: "أحبك"، متباهياُ بلغة دولة من هو تحت سيطرتها اقتصادياً وعلمياً، إلا أنهم درسوا العلوم وترجموها إلى لغتهم فانقلب حالناً اليوم رأساً على عقب.
وقد قال الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي -غفر الله لنا وله-: "ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار".
فها أصبحنا للأسف نستهزئ بلغتنا ونفتخر أننا نتكلم لغة غيرنا، حتى أصبح التكلم بالإنجليزية أو الفرنسية علامة من علامات التحضر، والتكلم بالعربية صار للتندر فقط، والإستهزاء أحياناً، هذا التنكر للغة هو من علامات الهزيمة النفسية التي نعيشها.
فمثلاً لو أن أحدهم سمى شركته بإسم (تفاحة) لسخر منه القاصي والداني، بينما لا نجد إشكالاً في تسمية شركة بـ (Apple) لا تجد مجتمعًا يسخر من لغته ويتنكر لها كمجتمعاتنا، صحيح أن الهيمنة الفكرية الغربية طغت علينا، لكن اللغة تمثل آخر خطوط المقاومة في وجه هذه الهيمنة فإن سقط هذا الخط سقطناً جميعاً، فلا يمكن لأمة أن تنهض من تخلفها، دون أن تحافظ على هويتها الثقافية، وفي مقدمتها اللغة، والشعب الذي لا يعتز بلغته، لا يمكنه أن يصنع حضارة.



تكلم العربية ،عربي، اللغة، السامية، لغة القرآن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع