مدونة د . محمد ابراهيم حسن عثمان


من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيرا منه

د . محمد ابراهيم حسن عثمان | Dr.Mohamed Ibrahim Hassan Othman


16/08/2023 القراءات: 806  


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
القاعدة المطردة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل فعلا وتركا
وذلك أن العبد مطيع لحكم ربه ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]
فإذا تعجل الأمور التي يترتب عليه حكم شرعي قبل وجود أسبابها لم يفده شيئا وعوقب بنقيض قصده . ويقابل هذا الأصل أصل آخر وهو أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
والشهوات سلطاناً على النفوس، واستيلاء وتمكناً في القلوب، فتركها عزيز، والخلاص منها عسير، ولكن من اتقى الله كفاه، ومن استعان به أعانه { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } وإنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها مخلصاً لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا أول وهلة؛ ليمتحن أصادق في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذة، وكلما ازدادت الرغبة في المحرم، وتاقت النفس إلى فعله، وكثرة الدواعي للوقوع فيه عظم الأجر في تركه، وتضاعفت المثوبة في مجاهدة النفس على الخلاص منه.
حديث أبي قتادة، وأبي الدهماء قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، وقلنا: هل سمعتَ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، قال: سمعته يقول: ((إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ إلاَّ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ)) .
مسند أحمد ط الرسالة (38/ 170)
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي الدَّهْمَاءِ، قَالَا: أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقُلْنَا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ إِلَّا بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ "إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءً لِلَّهِ، إِلَّا آتَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ "
وهذا الحديث العظيم قد اشتمل على ثلاث جُمَل:
الأولى قوله: ((لن تدع شيئًا))، وهذا لفظ عامٌّ يشمل كل شيء يتركه الإنسان؛ ابتغاءَ وجه الله تعالى.
الثانية: قوله: ((لله عزَّ وجلَّ))، هذه الجملة بَيَّن فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن التَّرْك لا بد أن يكون ابتغاءَ مرضاة الله لا خوفًا مِن سُلْطان، أو حَيَاء من إنسان، أو عدم القدرة على التمكُّن منه، أو غير ذلك.
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أبْدله اللهُ خيرًا منه))، وهذه الجملة فيها بيانٌ للجزاء الذي يناله مَن قام بذلك الشرط؛ وهو تعويض الله للتارك خيرًا وأفضل مما ترك، والعوض مِن الله قد يكون مِن جنس المتروك، أو مِن غير جنسه، ومنه الأُنس بالله عز وجل، ومحبَّته، وطُمأنينة القلب، وانشراح الصدر، ويكون في الدنيا والآخرة؛ كما عَلَّم اللهُ المؤمِنَ أن يدعو: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201].
قال قتادة : لا يَقْدر رجلٌ على حرام ثمَّ يدعه، ليس به إلا مخافة الله عز وجل، إلا أَبْدَلَهُ في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
نماذج لأمور من تركها لله عوضه الله خيراً منها:
1- من ترك مسألة الناس، ورجائهم، وإراقة ماء الوجه أمامهم، وعلق رجاءه بالله دون سواه، عوضه خيراً مما ترك فرزقه حرية القلب، وعزة النفس، والاستغناء عن الخلق « ومن يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفّه الله ».
2- ومن ترك الاعتراض على قدر الله، فسلم لربه في جميع أمره رزقه الله الرضا واليقين، وأراه من حسن العاقبة ما لا يخطر له ببال.
3- ومن ترك الذهاب للعرافين والسحرة رزقه الله الصبر، وصدق التوكل، وتحقق التوحيد. 4- ومن ترك التكالب على الدنيا جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة.
5- ومن ترك الخوف من غير الله، وأفرد الله وحده بالخوف سلم من الأوهام، وأمنه الله من كل شيء، فصارت مخاوفه أمناً وبرداً وسلاماً.
6- من ترك الكذب، ولزم الصدق فيما يأتي ويذر، هدي إلى البر، وكان عند الله صدّيقاً، ورزق لسان صدق بين الناس، فسودوه، وأكرموه، وأصاخوا السمع لقوله.
7- ومن ترك المراء وإن كان محقاً ضمن له بيت في ربض الجنة، وسلم من شر اللجاج والخصومة، وحافظ على صفاء قلبه، وأمن من كشف عيوبه.
8- ومن ترك الغش في البيع والشراء زادت ثقة الناس به، وكثر إقبالهم على سلعته.
9- ومن ترك الربا، وكسب الخبيث بارك الله في رزقه، وفتح له أبواب الخيرات والبركات. 10- ومن ترك النظر إلى المحرم عوضه الله فراسة صادقة، ونوراً وجلاءً، ولذة يجدها في قلبه. 11- ومن ترك البخل، وآثر التكرم والسخاء أحبه الناس، واقترب من الله ومن الجنة، وسلم من الهم والغم وضيق الصدر، وترقى في مدارج الكمال ومراتب الفضيلة { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
12- ومن ترك الكبر، ولزم التواضع كمل سؤدده، وعلا قدره، وتناهى فضله، قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في الصحيح: « ومن تواضع لله رفعه ».
13- ومن ترك المنام ودفأه ولذته، وقام يصلي لله عز وجل عوضه الله فرحاً، ونشاطاً، وأنساً.


ترك شيئا ـ ترك الخوف ـ ترك البخل ــ ترك الكبر ـ عوضه الله


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


Dr. Mohamed Ibrahim Hassan Othman Kulliyyah Bahasa Arab, Universiti Islam Antarabangsa Sultan Abdul Halim Mu’adzam Shah UniSHAMS