مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
وعد الآخرة والتتبير (2) أ.د. محمد محمود كالو
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
18/10/2023 القراءات: 700
وعد الآخرة والتتبير (2)
ولما خرج المسجد الأقصى من يد الصليبيّين ثم أعيد إليهم مرّة أخرى، تم إزاحتهم عنه على يد صلاح الدين الأيوبي، ولم يكن حينها لبني إسرائيل وزن ولا حساب في هذا الأمر.
فالمرة الثانية، أو وعد الآخرة، وهي أن يكون المسجد الأقصى في يد «بني إسرائيل»، ثم يجيء إليهم مَن يُخرجهم منه، وينتزعه من أيديهم، وهم أولئك الذين كان «المسجد» مسجدَهم الذي {دَخَلُوْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وليس المسجد إلا مسجدَ المسلمين، ولا يدخله للمرّة الثانية وينتزعه من اليهود إلا المسلمون، وكلمة (الآخرة) تدلُّ على أنها المرة الأخيرة التي لن تتكرر، ولن يكون لليهود غَلَبة بعدها.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوْءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}: «ومعنى هذا أن المسجد الأقصى سيضيع من المسلمين، ويصبح تحت حكم اليهود، فيأتي المسلمون ويحاربونهم ويدخلون المسجد كما دخلوه أول مرّة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه».
ويقول الشيخ عبد الكريم الخطيب: «إننا نقطع عن يقين أن بني إسرائيل معنا اليوم واقعون تحت قوله تعالى: (فإِذَا) فالجولة التالية بيننا وبين بني إسرائيل هي لنا، وسندخل المسجد إن شاء الله كما دخلناه أول مرّة، وسنخزي القوم ونعريهم من كل ما لبسوا من أثواب الزهو والغرور» [التفسير القرآني للقرآن:3/449].
وهنا لابد أن نشير إلى أن هذا الكيان الغاصب الذي قام تحت اسم «إسرائيل» ولم يقم تحت اسم «اليهود» أو دولة «يهوذا»، إذ جعل قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:4] متوجها إلى ذلك الكيان القائم تحت اسم «إسرائيل»، الأمر الذي يجعل من العسير أن تدخل تحت حكم الآية لو أنها اتخذت أي اسم آخر غير هذا الاسم، وهذا إعجاز من إعجاز القرآن الكريم.
وهجرة اليهود المستمرة من الشرق والغرب نحو فلسطين واستيطانهم، وإقامتهم كيانهم الغاصب باسم «إسرائيل»، كل هذا جاء وفق سنة الله تعالى التي تسوقهم إلى حتْفِهم: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 104]، وقد يرى البعض أن في قيام دولة إسرائيل وتجمّع اليهود بها نكايةً في الإسلام والمسلمين، ولكن الحقيقة غير هذا، فالحق سبحانه وتعالى حين يريد أن نضربهم الضربة الإيمانية من جنود موصوفين بأنهم: {عِبَاداً لَّنَآ}، ففكرة التجمُّع والوطن القومي التي نادى بها بلفور وأيَّدتْها الدول الكبرى المساندة لليهود والمعادية للإسلام، هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتُسهِّل علينا تتبعهم وتُمكّننا من القضاء عليهم، {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} ي: أتينا بكم جميعاً، نضمُّ بعضكم إلى بعض.
وهكذا تكررت جملة {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} مرتين في القرآن الكريم في سورة الإسراء، الآية السابعة، والآية مائة وأربعة، وتلك علامة قدرية على أن زمان تسْليط رب العزة عليهم عباداً له يسوؤون وجوههم قَدْ حان وآن.
{وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} والعُلُوُّ عُلُوٌّ مَجازِيٌّ، وهو الِاسْتِيلاءُ والغَلَبُ، يتبروا: أي: يُهلكوا ويُدمِّروا، ويُخرِّبوا ما أقامه اليهود وما بنَوْهُ وشيَّدوه من مظاهر الحضارة التي نشاهدها الآن عندهم.
ونلاحظ أن القرآن لم يقُلْ: (ما علوتُم)، إنما قال {مَا عَلَوْاْ} ليدل على أن ما أقاموه وما شيدوه ليس بذاتهم، وإنما بمساعدة مَنْ وراءهم من أتباعهم وأنصارهم، فاليهود بذاتهم ضعفاء، لا تقوم لهم قائمة، وهذا واضح في قَوْل الحق سبحانه عنهم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاس} [آل عمران: 112].
ونحن الآن ننتظر وَعْد الله سبحانه، ونعيش على أمل أن تنصلح أحوالنا، ونعود إلى ساحة ربنا، وعندها سينجز لنا ما وعدنا من دخول المسجد الأقصى، وتكون لنا الكرّة الأخيرة عليهم، سيتحقق لنا هذا عندما ندخل معهم المعركة على أسس إسلامية وإيمانية، لا على عروبة وعصبية سياسية، لتعود لنا صِفَة العباد، ونكون أَهْلاً لِنُصْرة الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن تكون المرة الثانية، أو وعد الآخرة قريباً، حتى نتحرر من اليهود وأنصارهم وأتباعهم وعبيدهم وأذنابهم من الطغاة والظلمة والمجرمين يا رب العالمين.
إلهي انصُرْ أحبتَنا بِـ (غَزَّةْ)
وزِدْهُمْ عِزَّةً مِن بَعدِ عِزَّةْ
ودَمِّرْ كلَّ مَن جاروا وخانوا
ومَن وَقَفوا مواقفَ مستفِزَّةْ
وعد الآخرة، التتبير، المسجد الأقصى، بيت المقدس، اليهود
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع