مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة السيرة النبوية 🔻حمراء الأسد

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


08/03/2023 القراءات: 427  


سلسلة السيرة النبوية

🔻حمراء الأسد

بات المسلمون في المدينة ـ ليلة الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 هـ بعد الرجوع من معركة أحد ـ وهم في حالة الطوارئ، باتوا ـ وقد أنهكهم التعب، ونال منهم أي منال ـ يحرسون أنقاب المدينة ومداخلها، ويحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ؛ إذ كانت تتلاحقهم الشبهات من كل جانب‏.‏

كان المسلمون يواجهون في المدينة اليهود الشامتين والمنافقين االمرجفين ويواجهون في أطراف المدينة الأعراب المشركين الذين كانوا يتطلعون بشراهة إلى المدينة وخيراتها.وكان ثمة احتمال أن تندم قريش فتعود لمهاجمة المدينة ، فكان لابد من التحرك السريع لاستعادة موقع المسلمين والاحتفاظ بمكانتهم

ومن هنا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش الذي شهد "أحدا" أن يخرج لمطاردة جيش قريش ، وذلك صباح الغد من معركة أحد، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 هـ ،وقال‏:‏ "‌‌‏لا يخرج معنا إلا من شهد القتال‏" ، فقال له عبد الله بن أبي‏:‏ أركب معك‏؟‏ قال‏:‏ ‌‏"‏لا‏"


وقد سارع سبعون من الصحابة رضوان الله عليهم للاشتراك ، ثم بقية الجيش فصار عددهم ستمائة وثلاثين ، وقد أثنى القرآن الكريم على مبادرتهم بالخروج ، قالت عائشة رضي الله عنها لعروة بن الزبير في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت: أبوك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: من يذهب في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً" البخاري


واستأذن جابر بن عبد الله رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الخروج معه ،وقال‏:‏ يا رسول الله، إني أحب ألا تشهد مشهداً إلا كنت معك، وإنما خلفني أبي على بناته فائذن لي أسير معك، فأذن له‏.‏

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة، فعسكروا هناك‏ ، وهناك أقبل مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ويقال‏:‏ بل كان على شركه، ولكنه كان ناصحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف

فقال‏:‏ يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك‏.‏ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه‏( يضعف عزمه على الرجوع)

ولم يكن ما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلا حقاً، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة تلاوموا فيما بينهم، قال بعضهم لبعض‏:‏لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم، وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم‏( نقتلهم جميعا)

وخالفهم صفوان بن أمية‏ قائلاً‏:‏ يا قوم، لاتفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج ـ أي من المسلمين في غزوة أحد ـ فارجعوا والدولة لكم (والغلبة لكم ) فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم‏

إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة، وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة‏.‏ ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسلامه، فقال‏:‏ ما وراءك يا معبد‏؟‏
فقال معبد ـ وقد شن عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة‏:‏ محمد قد خرج في أصحابه، يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقاً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط‏.‏

قال أبو سفيان‏:‏ ويحك، ما تقول‏؟‏
قال‏:‏ والله ما أري أن ترتحل حتى تري نواصي الخيل ـ أو ـ حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة‏(المرتفع)
فقال أبو سفيان‏:‏ والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم‏.‏
قال‏:‏ فلا تفعل، فإني ناصح‏.‏

وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع والرعب، فلم ير العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة، إلا أن أبا سفيان قام بحرب أعصاب دعائية ضد الجيش الإسلامي، لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة، و ينجح في تجنب لقائه‏.‏ فقد مر به ركب من عبد القيس يريد المدينة، فقال‏:‏ هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة، وأوقر (أملأ )لكم راحلتكم هذه زبيبًا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة‏؟‏
قالوا‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكرة ؛ لنستأصله ونستأصل أصحابه‏.‏

فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم بحمراء الأسد، فأخبرهم بالذي قال له أبو سفيان، وقالوا‏:‏ ‏{‏إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ‏}‏ ـ أي زاد المسلمين قولهم ذلك ـ ‏{‏إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏}‌‏[‏آل عمران‏:‏ 173، 174‏]‌‏.‏

أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد ، ثلاثة أيام ثم رجع إلى المدينة، وغزوة حمراء الأسد لم تكن غزوة مستقلة، وإنما هي جزء من غزوة أحد، وتتمة لها وصفحة من صفحاتها‏.‏ ولا شك أنها حققت الأهداف المرسومة بإظهار قدرة المسلمين على التصدي لخصومهم من الأعراب وقريش رغم ما أصابهم في أحد، فإنهم إذا كانوا قادرين على التحرك العسكري خارج المدينة فهم أقدر على مواجهة اليهود والمنافقين داخلها.


سلسلة السيرة النبوية 🔻حمراء الأسد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع