مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (208)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


21/07/2024 القراءات: 484  


-الثعلبي رجل صالح:
جاء في «إنباه الرواة على أنباه النحاة» (1/ 120):
"قال زينُ الإسلام أبو القاسم القشيري: رأيتُ ربّ العزة عز وجل في المنام، وكان يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك إذا قال الربُّ تعالى اسمُه: ‌أقبلَ ‌الرجل الصالح، فالتفتُّ فإذا أحمد الثعلبي - أو الثعالبي- مقبل".
وهو الإمام المفسر المعروف صاحب "كشف البيان في تفسير القرآن".
***
-من وحي الصحبة:
قال الأخ الكريم فضيلة الشيخ عدنان بن حسن الخطيب الإمام والخطيب في مسجد سلطان العلماء في دبي:
هذه أبيات في رثاء العلامة الشيخ محمد علي سلطان العلماء رحمه الله تعالى:
يا عينُ جودي بالدموع وعاودي ... حُزنًا على الشيخِ الجليل الخالدي
سلطانِ أهلِ العلم عَـزَّ مثالُهُ ... تفديه نفسي مِنْ شريفٍ ماجدِ
بــرٌّ تـقـيٌّ زاهـدٌّ ذو هِـمـــةٍ ... عندَ الصلاةِ تـراه أوَّلَ شـاهِدِ
نَـذَرَ الحيـاةَ لِدينِهِ فازَّيَّنَتْ ... رتبُ العُلا بمنـاقـبٍ ومَحامـدِ
أَمضَيتُ شطرَ العمرِ في أَكنافِهِ ... أَنْعمْ بِهِ.. يَحنو حُنُوَّ الوالدِ
فعَليهِ مِن ربي سلامٌ عاطرٌ ... وله الكرامة في النعيمِ الخالدِ
***
-علة سقط الياء في (يسر):
قال الثعلبي في "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" في تفسير (والليل إذا يسر) [الفجر: 4]، (29/ 315): "قال المؤرج: ‌سألتُ ‌الأخفشَ ‌عن ‌العلة في سقوط الياء مِن (يسر)؟ فقال: لا أجيبك ما لم تبتْ على باب داري سنة.
قال: فبتُّ على باب داره سنة، ثم سألتُه، فقال: الليلُ لا يسري، وإنما يُسرى فيه، وهو مصروفٌ، فلما صرَفه بخسَه حظَّه من الإعراب، ألا ترى إلى قوله: {وما كانتْ أمك بغيا} ولم يقل (بغية)، لأنه صرفه من باغية".
وقد توارد المؤلفون على ذكر هذا، ولم يناقشه أحد سوى ابن عجيبة والشوكاني، وهذا يظهر ضرورة استقصاء النظر في المصادر، فانظر:
جاء في «معجم الأدباء» (3/ 1375): «سأل المؤرّج سعيد بن مسعدة عن قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْر)ِ ما العلة في سقوط الياء منه، وإنما تسقط عند الجزم؟
فقال: لا أجيبك ما لم تبت على باب داري مدة.
قال: فبتّ على باب داره مدّة، ثم سألته، فقال: اعلم أن هذا مصروف على [كذا والصواب: عن] جهته، وكل ما كان مصروفًا على [كذا والصواب: عن] جهته فإن العرب تبخس حظه من الإعراب نحو قوله: (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) أسقط الهاء لأنها مصروفة من فاعلة إلى فعيل.
قلت: وكيف صرفه؟ قال: ‌الليل ‌لا ‌يسري، وإنما يُسرى فيه».
وفي «حاشيه الخفاجي» (8/ 356): «وفي تفسير البغوي: سئل الأخفش عن علة سقوط يائه فقال ‌الليل: ‌لا ‌يسري ولكن يسرى فيه. يعني أنه لما عدل عن الظاهر في المعنى وغير عما كان حقه معنى غير لفظه لأنّ الشيء يجر جنسه لإلفه به كما أنه في قوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] لما عدل عن باغية أسقطت منه التاء ولم يقل بغية. ومثله من بدائع اللغة العربية فافهمه».
وأخذه الألوسي في "روح المعاني" من غير عزو.
وفي «البحر المديد في تفسير القرآن المجيد» (7/ 297): «وسُئل الأخفش عن سقوطها، فقال للسائل: لا أجيبك حتى تخدمني سنة، فسأله بعد سنة، فقال: ‌الليل ‌لا ‌يسري، وإنّما يُسرى فيه، فلمّا عدل عن معناه عدل عن لفظه موافقةً. هـ. ويرد عليه: أنها حُذفت في كلمات كثيرة، ليس فيها هذه العلة».
وفي "فتح القدير" للشوكاني (5/ 528): «وفي كلام الأخفش هذا نظر، فإن صرف الشيء عن معناه لسبب من الأسباب لا يستلزم صرف لفظه عن بعض ما يستحقه، ولو صح ذلك للزم في كل المجازات العقلية واللفظية، واللازم باطل فالملزوم مثله، والأصل ها هنا إثبات الياء لأنها لام الفعل المضارع المرفوع، ولم تحذف لعلة من العلل إلا لاتباع رسم المصحف وموافقة رؤوس الآي إجراء للفواصل مجرى القوافي».
ومثله في "فتح البيان في مقاصد القرآن" للقنوجي (15/217).
وقال في «بيان المعاني» (1/ 144): «انظرْ رحمك الله فضل العلم من أجل كلمة خدم سنة ألا لمثل هذا فليعمل العاملون، وبه فليتنافس المتنافسون».
وفي «الأصلان في علوم القرآن» (ص320): «واعلم أن العرب إذا عدلت بالشيء عن أصل وضعه نقصت منه حرفًا؛ نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} ؛ إذ ‌الليل ‌لا ‌يسري، وإنما يُسرى فيه؛ ولذا حذف الياء.
وقوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} الأصل: باغية، فحذف "التاء" لأنه وقع خبرًا لا فاعلًا كما تنبئ عنه أصل صيغته».
***
-رؤيا الآمدي يستدل على الوحدانية:
جاء «الوافي بالوفيات» للصفدي (21/ 228):
«لما مات الشيخ سيف الدين [الآمدي] رحمه الله تعالى أخبرني صاحبُنا زينُ الدين أبو عبدالله محمد بن الحسن بن علي بن أبي المحاسن بن طاهر الأنصاري المقدسي قال: أخبرني بعضُ الفضلاء أنه رأى الشيخَ سيف الدين في المنام بعد موته فقال له: يا مولانا ما فعل الله بك؟ فقال: أجلسني بين يديه وقال لي: ‌استدلَّ ‌على ‌وحدانيتي بين ملائكتي. فقلتُ: الحوادث اقتضتْ تعلقًا بمُحدِثٍ لتخرج عن حد الاستحالة، وكان لا بدَّ من مُحدِث، ثم كان القول بالاثنين مثل القول بالثلاثة والأربعة، إلى ما لا يتناهى، فلم يترجح منها شيء، فسقط ما وراء الواحد، وبقي الواحدُ صحيحًا. أو كما قال. ثم أدخلني الجنة». ومثله في "شرح الكوكب الساطع" للسيوطي (1: 260).
وفي «العقد المذهب في طبقات حملة المذهب» (ص357):
«رُئي في النوم فقيل له: ما فعل اللَّه بك. قال: أجلسني على كرسي، وقال: ‌استدلَّ ‌على ‌وحدانيتي بحضرة ملائكتي. فقلتُ: لما كان المخترَعُ لا بدَّ له مِن صانعٍ، وكان نسبة الثاني والثالث إلى الواحد نسبة الرابع والخامس، وما وراء ذلك لم يقل به أحدٌ، ولا ادعاه مخلوقٌ، بطل الجمعُ وثبت الواحدُ جل جلالُه وعز سلطانُه. فقال لي: ادخل الجنة».
قلتُ: ولعل الرائي -أو الحاكي- حكى المنام أكثر مِن مرة فأدّى المعنى واختلفت الألفاظ.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع