مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


فقه الطهارة: 6- نواقض الوضوء(2)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


14/08/2023 القراءات: 744  


الوجه الثالث: إذا كان دم العرق لا ينقض الوضوء، فلو خرج دم من عرق اليد أو الرجل لم ينتقض وضوءه على الصحيح، فكذلك دم الاستحاضة، فإنه دم عرق كما في أحاديث الصحيحين، ولا يقال: إن خروجه من الفرج جعل حكمه مختلفاً؛ لأن المني يخرج من الفرج، ومع ذلك هو طاهر.
الوجه الرابع:الشارع حكيم، فلا يؤاخذ الإنسان إلا بما فعل، فإذا كان خروج الدم ليس من فعل الإنسان ولا من قصده، لم تفسد عبادته، ولهذا لا يؤاخذ الإنسان باللغو في اليمين لعدم توفر القصد.
هذه أدلة المالكية على عدم اعتبار خروج دم الاستحاضة حدثاً ناقضاً للوضوء.

وهذا القول هو الراجح عندي، لأن الآثار في الباب لم تثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من جهة، ولأن هذا القول موافق لقواعد الشريعة من جهة أخرى ، وفيه تيسير على المبتلى من النساء ومن به سلس بول، وقد أفتى به جماعة من أهل العلم على رأسهم الإمام مالك وربيعة وعكرمة وأيوب وطائفة .

الناقض الثاني للوضوء : النوم :

اختلف العلماء في نقض الوضوء بالنوم:

1- مذهب أبي حنيفة إن نام مستلقياً أو مضطجعاً انتقض، وإلا فلا.

لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

2- مذهب المالكية : النوم الثقيل ناقض مطلقاً، قصر أم طال، والنوم الخفيف لا ينقض مطلقاً قصر أم طال، لكن إن طال استحب منه الوضوء.

وضابط الثقيل: ما لا يشعر صاحبه بالأصوات، أو بسقوط شيء من يده، أو سيلان ريقه ونحو ذلك، فإن شعر بذلك فهو نوم خفيف.

لما رواه مسلم من طريق كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث فقلت لها: إذا قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأيقظيني، فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقداً، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين

3- مذهب الشافعية إن نام ممكناً مقعده من الأرض أو نحوها لم ينتقض على أي هيئة كان في الصلاة أو في غيرها.

وعلى هذا يحمل حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون) رواه الشافعي ومسلم وأبو داود والترمذي، ولفظ الترمذي من طريق شعبة: (لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى لأسمع لأحدهم غطيطا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون) قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس.

4- مذهب الحنابلة :لا ينقض النوم اليسير من قاعد أو قائم.

واستدلوا بما رواه الشيخان عن أنس، قال: أقيمت الصلاة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يناجي رجلاً في جانب المسجد فما قال إلى الصلاة حتى نام القوم.

وسبب اختلاف العلماء في النوم اختلافهم فيه هل هو حدث في نفسه فيجب الوضوء في قليله وكثيره، أو ليس بحدث فلا ينتقض منه الوضوء، أو أنه سبب في حصول الحدث ومظنة لحصوله، ففرقوا بين النوم الثقيل والخفيف، وبين هيئة القاعد والمضطجع.
والراجح في مسألة النوم أن مداره على الإحساس، فإن فقد الإحساس بحيث لو أحدث لم يشعر انتقض وضوؤه، وإن كان إحساسه معه لكن معه مقدمات النوم، ويشعر بالأصوات من حوله، ولا يميزها من النعاس فإن طهارته باقية بذلك؛ لأن النوم ليس حدثاً في نفسه،

وبهذا تجتمع الأدلة، فحديث صفوان بن عسال دل على أن النوم ناقض للوضوء، وحديث أنس دل على أن النوم ليس بناقض، فيحمل حديث أنس على أن الإحساس ليس مفقوداً، فلو أحدث الواحد منهم لأحس بنفسه، والله أعلم.

الناقض الثالث للوضوء : زوال العقل:

سواء كان الجنون أو بالإغماء أو بالكسر أو بالدواء، وسواء قل أو كثر، وسواء كانت المقعدة ممكنة من الأرض أم لا، لأن الذهول عند هذه الأسباب أبلغ من النوم، وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء.

الناقض الرابع للوضوء : مس الفرج بدون حائل:

وقد اختلف العلماء في مس الفرج هل ينقض الوضوء؟ على أربعة مذاهب :

الأول /أنه ناقض كيفما مسه وهو مذهب الشافعي وأحمد . واستدلُّوا بما يلي:
– حديث بُسْرَة بنت صفوان أنَّ النبيَّ قال: “مَنْ مَسَّ ذكرَه فليتوضأ”
– حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “إذا أفضى أحدُكُم بيده إلى ذكره؛ ليس دونها سِتْر فقد وجب عليه الوُضُوء”.
– أن الإنسان قد يحصُل منه تحرُّكُ شهوةٍ عند مسِّ الذَّكر، أو القُبُل فيخرج منه شيء وهو لا يشعر، فما كان مظَّنة الحدث عُلِّق الحكم به كالنَّوم.

الثاني / أنه لا ينقض الوضوء أصلا وهو مذهب أبي حنيفة واستدلُّ بما يلي:
1- حديث طَلْقِ بْنِ عليٍّ أنه سأل النبيَّ عن الرَّجُل يمسُّ ذَكَرَه في الصَّلاة: أعليه وُضُوءٌ؟ فقال: (لا، إِنَّما هو بَضْعة منك )
2- أنَّ الأصل بقاءُ الطَّهارة، وعدمُ النقض، فلا نخرج عن هذا الأصل إِلا بدليل متيقَّن.
وحديث بُسرة وأبي هريرة ضعيفان، وإِذا كان فيه احتمالٌ؛ فالأصل بقاءُ الوُضُوء. قال : «لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً»، فإِذا كان هذا في السَّببِ الموجبِ حسًّا، فكذلك السَّببُ الموجبُ شرعاً، فلا يمكن أن نلتفت إليه حتى يكون معلوماً بيقين.
3- لا خلاف في أن الذكر إذا مس الفخذ لا يوجب وضوءا ، ولا فرق بين اليد والفخذ .

الثالث : أنَّه إنْ مسَّهُ بشهوة انتقض الوُضُوء وإلا فلا وهو قول مالك ، وبهذا يحصُل الجمع بين حديث بُسرة، وحديث طَلْق بن عليٍّ، وإِذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل التَّرجيح والنَّسخ؛ لأنَّ الجَمْعَ فيه إِعمال الدَّليلين، وترجيح أحدهما إِلغاء للآخر.
ويؤيد ذلك قوله : «إِنمَّا هو بَضْعَة منك»، لأنك إِذا مسَسْتَ ذَكَرَكَ بدون تحرُّكِ شهوة صار كأنما تمسُّ سائر أعضائك، وحينئذٍ لا ينتقض الوُضُوء، وإِذا مَسَسْتَه لشهوةٍ فإِنَّه ينتقض؛ لأن العِلَّة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، فإِذا مسَّه لشهوةٍ وجب الوُضُوء،


فقه الطهارة: 6- نواقض الوضوء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع