مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (51)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


15/09/2023 القراءات: 547  


خبر في فضل أبي أيوب الأنصاري وعمر بن عبدالعزيز:
"وقال مالك: بلغني أن الروم يستصبحون على قبر أبي أيوب الأنصاري.
قال مالك: وبلغني أن صالح بن علي مرَّ بموضع قبر عمر بن عبدالعزيز، فقيل له: إنَّ هاهنا راهبًا قديمًا فأرسل إليه لعله يعرف موضعه، فقال: عمن تسألني؟ عن قبر الصدِّيق؟
قال محمد بن رشد: أبو أيوب الأنصاري هذا، مِن كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد العقبة وبدرًا وسائر المشاهد، عليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة مهاجرًا من مكة، حتى بنى مسجده ومساكنه، فانتقل إليها، وكان رضي الله عنه، مع علي بن أبي طالب في الحروب كلها، ومات بالقسطنطينية في خلافة معاوية، خرج إليها غازيًا تحت راية يزيد فمرض بها، فلما ثقل عاده يزيد، فأوصاهم إذا مات أن يكفنوه ثم يأمر الخيل بالركوب، فيحملوه إلى حيث يقدرون على الوصول إليه فيدفنونه تحت أقدامهم عند مصاقبتهم العدو، ففعلوا، فقبره عند سُورها معلوم معظم محفوظ يستصبحون عليه على ما قاله في الرواية، ويستسقون به إذا أمحلوا فيُسقون. ويُروى أن يزيد أمر الخيل أنْ تقبل وتدبر على قبره ليعفى أثره، فقال لهم الروم صبيحة دفنهم إياه: لقد كان لكم شأنٌ، فقالوا: نعم صاحبٌ لنا من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي ودفناه حيث رأيتم فو الله لئن نبشتموه، لا يُضرب لكم ناقوس بأرض العرب ما دامتْ لنا مملكة، فما أقدموا على ذلك، بل تنافسوا في حفظه، وتبركوا بقبره، وذلك كرامة عظيمة من الله عز وجل. وقولُ الراهب في عمر بن عبدالعزيز: عمن تسألني عن قبر الصديق؟ هو مِن هذا المعنى؛ لأن الله إذا أحبَّ عبدًا أحبه أهلُ السماء، ووضع له القبول في الأرض، وانطلقت الألسنة بالثناء عليه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أردتم أنْ تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه مِن حسن الثناء". البيان والتحصيل (17/ 8-9 ).
أفادني بهذا الأخُ الكريمُ فضيلة أ. د. إسماعيل المختار كريمة (الليبي نزيل إسطنبول الآن) شكر الله له.
***
عالم سامرائي:
الشيخ عبدالعزيز بن سالم السامرائي عالم جليل، ومعلم ناصح، ومرب مخلص، ومصلح موفق.
كان هبة من الله تعالى للمدارس الدينية، ووهبَ هو نفسه لها بكل إخلاص وتفان ومحبة، فاستفاد منه وتخرج به كثيرون صاروا مِن بعده مشاعل علم وعمل وإصلاح في العراق وخارجه.
وما أصدق العبارة التي كُتبتْ على شاهدة قبره: ناشر العلم على ضفاف الفرات.
وكان قد وُلد هو على ضفاف دجلة، وصار رافدًا ثالثًا في العراق يسقي أرضَ النفوس بالعلم والأخلاق الطاهرة. وقد أثنى عليه شيوخُه وأقرانُه وطلابُه وتلاميذُه وملازموه وسامعوه ووصفوه بالإخلاص، ونعمت الشهادة الشهادة بالإخلاص، ولعل ما كتبه الله له مِن قبول يدلُّ على ذلك تمام الدلالة.
ويقول بعضُ العارفين في مثله:
قوم كرام السجايا حيثما حضروا ... يبقى المكانُ على آثارهم عطرا
وهذه المدرسة الآصفية التي رعاها ونمّاها وسهرَ عليها وقام على مصالحها باقيةٌ بعده، قائمة بنشر رسالته، متأثرة بهمته، سائرة على طريقته.
رحمه الله وجزاه عن العلم والدين والمسلمين خير الجزاء.
لنا في هذه المدرسة ذكريات عطرة، فقد ضمتنا بين جنباتها ثلاث سنوات:
وليلٍ برحب الآصفية أمتعا ... تكلِّفني ذكراه وجدًا وأدمعا
ولم أر ليلًا مثله بعد فقدهِ ... ولم أر مثل الآصفية موضعا
حفظ الله هذه المدرسة الآصفية الدينية، القائمة على نشر العلم الشرعي، ووفق القائمين عليها توفيقًا دائمًا، وألهمهم الإخلاص، ومنّ عليهم بالقبول.
***
ترجمة معلِّمة مؤدِّبة:
من علماء موريتانيا الأجلاء: العالم الجليل الشيخ محنض بابه، وقد وقفتُ له على منظومتين رائعتين، الثانية "منظومة المباحث الفقهية"، في (6178) بيت.
وقد بدأها بالتعريف بنفسه فقال:
"تعريف الناظم بنفسه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمّا بعد: فصاحبُ هذا النظم رجلٌ شنقيطيٌّ ديمانيٌّ اسمه: محنض بابه بن محمذن بن حامدن بن محمذن بن محنض بابه بن اعبيد.
وهو مِن أهل بيت كان لهم حظٌّ من العلم والدين في هذه البلاد، لكنه لم يُدرك أماثلَهم، ولم يصحبْ أماثلَ غيرهم.
وقد نظَرَ في بعض كتب العلم نظر المتفرِّج بما فيها، لا نظر قاصد الانتفاع بكلام مؤلِّفيها، فاستفاد منها أقوالًا نقليَّة، لا أحوالًا قلبيَّة، والناظرُ في الكتب إذا لم يستفدْ منها غير ذلك كان إطلاق لفظ العالم عليه مجازيًّا، ولا يخفى هَزْءُ مَن جَعَلَ الزُّنْبُورَ بازِيًا.
وللزُّنبُور والبازي جميعًا ... لدى الطيرانِ أجنحةٌ وخفقُ
ولكن بين ما يصطادُ بَازٍ ... وَمَا يصْطادُهُ الزُّنبُورُ فَرقُ
وتَديُّنُ هذا الناظمِ تديُّن معتزلٍ ضعيف، لا تديُّن مرشدٍ حصيف.
والمقصودُ أنَّ صاحب هذا النظم ليس عالمًا، ومَنْ تشبَّع بما ليس فيه كان لنفسه ظالمًا.
هذا ما سمَحَتْ به نفسُه مِنْ ترجمته، ولله الحمدُ على ما تفضَّل به مِنْ نِعمته".
وأفادني تلميذُه المحقق الفاضل النابه الشيخ محمد فال السيد الشنقيطي نزيل إسطنبول -وقد سألتُه عنه- بقوله: "هو حيٌّ والحمد لله وقد جاوز التسعين، وهو شيخي درستُ عليه، وله مؤلفاتٌ كثيرةٌ أغلبُها منظومة، منها منظومة في علم البلاغة تزيد على ثلاثة آلاف بيت، وألفية في المنطق، و"النظم المتوسط المُبين أن الحائد عن الرشد غبين" يزيد على ألفي بيت".
وأول "منظومة المباحث الفقهية":
الحمد لله الذي لنا شرَعْ ... ما جلبَ النفع وللضُّر دفَعْ
صلى وسلم على مَن فصَّلا ... لنا الذي حرَّمه وحلَّلا
كما لنا فصَّل ما قد وجبا ... من الأوامر وما قد نُدبا
فكلُّ ذاك شرعُه ودينُه ... بلَّغه مفصَّلًا أمينُه
وآخرها:
وحق مَن أنعم أن لا يُعصى ... ونعمُ المنان ليست تحصى
وهوّ بالدين الذي قد أكمله ... أتم الانعامَ فكلّ الحمد له
وأكمل الصلاة منه وأتم ... سلامه على الذي الرسْل ختم
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع