تمتع بالصحة النفسية الإيجابية (11)
سعد الدين العثماني | EL OTMANI SAAD DINE
28/01/2025 القراءات: 7
11 - معايير الصحة النفسية (1)
على الرغم من تداخل مختلف معايير الصحة النفسية وتكاملها، وكون بعضها يؤثر في البعض الآخر، فإن الاستفادة العملية لا تتحقق إلا بتشريح كاف لكل واحد منها.
وقد سبق أن قلنا بأن الشعور بالسعادة هو أعلى معايير الصحة النفسية، بل هي الهدف الأسمى لكل إنسان على الأرض وإن اختلفت طرق كل واحد إليها. لكن قبل السعادة هناك معايير أخرى للصحة النفسية بعضها يسلم لبعض ويساعد على تحقيقه.
ويمكننا تلخيص تلك المعايير أساسا على أربعة مستويات هي:
أولا - التوافق الذاتي:
يعتبر التوافق الذاتي (ويسمى أيضا التكيف الشخصي) أول درجات تلك المعايير. ومصداقه أن يكون الفرد راضيا عن نفسه قادرا على التوفيق بين دوافعه المتعارضة توفيقا يرضيها إرضاء متزنا يمكنه من توجيه قواه الى تحقيق حاجاته وآماله، مع تقبل جوانب القوة وجوانب الضعف في نفسه، واستغلال قدراته وطاقته في المستوى الذي يرضي. ويضم التوافق الذاتي بالأساس المستويات الأربعة التالية: معرفة النفس ـ الثقة بالنفس ـ ضبط النفس - الفاعلية.
1 - معرفة النفس : وتتضمن قدرة الفرد على معرفة قدراته وإمكاناته وحدوده، وجوانب القوة والضعف في نفسه، فهذا يجعله يحدد مستوى طموحه وفق حقائق واقعية لا وفق أوهام. وقديما اشتهر قولهم: "رحم الله من عرف قدره فوقف عنده". فذلك مهم لأنه يساعد المرء على أن يتقبل ذاته بواقعية، فلا يبالغ في إمكاناتها ولا يقلل منها. كما يساعد ذلك على استثمار تلك الإمكانات إلى أبعد الحدود. وكثير من الناس عندهم قدرات مهمة لكنهم لم يستثمروها لجهلهم بها.
كما أن حياة الإنسان لا تخلو من نقائص أو عيوب مثل الأنانية والغرور والتعصب، ومثل بعض المخاوف أو الإحساس بالقلق. والسلوك السليم هو أن يتجنب الفرد التهوين من أمرها، كما يتجنب التهويل منها، وألا يخدع نفسه بإنكارها أو تجاهلها. وهكذا فإن الطالب الذي يعاني من مخاوف تشل تفكيره عند دخوله قاعة الامتحان، لو تجاهل ذلك ولم يستعد له فإنه يعرض نفسه للمجهول، وسيكون عرضة للآثار السلبية لتلك المخاوف. أما إذا اعترف بها، وحاول التعرف عليها، فإنه سيكون أقدر على أن يستعد لها وينتصر عليها جزئيا أو كليا.
والشيء نفسه يقال عن تعرف الإنسان على المواقف التي تثير غضبه وردود الفعل الشديدة لديه. فإن ذلك يمكنه من أن يحللها وأن يستعد لمعالجتها أو مواجهتها بطرق أفضل.
2 - الثقة بالنفس، وهي الإحساس بشعور إيجابي نحو الذات وبتقديرها واحترامها. فالمتمتع بالثقة بالنفس، غير كاره لنفسه ولا نافر منها أو ساخط عليها أو شاك في قدراتها. وتنبني الثقة بالنفس على الوعي بأن لدى كل إنسان قدرات وإمكانات قد يعرفها وقد يجهلها، وأن الله لم يخلقه عبثا بل وفق سنن ولمقاصد. ومن هنا يستند هذا المكون الثاني للتوافق الذاتي على المكون الأول الذي هو معرفة النفس. فبقدر معرفة الفرد لنقاط القوة والضعف لديه ومعرفته لقدرات نفسه وحدودها يكتسب تلك الثقة وتتعمق لديه.
والثقة بالنفس تجعل الإنسان يتصرف بشكل طبيعي دون قلق أو رهبة، وتخلو حياته النفسية من التوترات والصراعات الداخلية التي تقترن بمشاعر الذنب والقلق والضيق والنقص، ويتوفر على درجة معقولة من الطموح والشجاعة.
وهذا المسار يمكن أن يسطره الإنسان في حياته بالاكتساب التدريجي وفق مراحل تتضمن مثلا الخطوات التالية: التفكير في نفسه للتعرف عليها ـ النظر إلى الجوانب الإيجابية في حياته وواقعه وسلوكاته وعدم تضخيم الجوانب السلبية ـ تحديد السلبيات والبدء بحل الأسهل منها ـ تجنب الكلمات المولدة للإحباط في وصف نفسه وأعماله ـ وضع أهداف ولو بسيطة وتنفيذها فإن الإنجاز يعزز الثقة بالنفس.
إن هذه الخطوات وما يماثلها إذ تبني ثقة المرء بنفسه فإنها تمتعه بالطاقة المحركة للتخطيط لحياة أفضل، وبالتالي تعزيز تلك الثقة أكثر.
3 - ضبط النفس ، وهو اكتساب الفرد القدرة على التحكم في التقلبات الوجدانية والمزاجية التي يتعرض لها، وقدرته على إحداث التوافق والتناغم بين قدراته وإمكاناته من جهة، وطموحاته ومُثله من أجل تلبية متطلبات الحياة المختلفة من جهة أخرى.
ويتضمن ضبط النفس أيضا قدرة الفرد على عدم السماح للعواطف السارة أو غير السارة بأن تأخذ حجما مبالغا فيه في حياته اليومية وفي قراراته وتصرفاته.
كما يتضمن ضبط النفس كذلك قدرة الفرد على التحكم في ردود فعله وفي أدائه لما يسمح له باختيار العادات الصحية السليمة سواء منها العضوية أو النفسية، وممارستها. وهذه السمة التي تسمى الاتزان الانفعالي تمكن الفرد من التعبير عن انفعالاته في اعتدال وضبطها دون كبت بحسب ما تقتضيه الضرورة وبشكل يتناسب مع الموقف المعني مع تجنب العواطف السلبية في المواقف الصعبة مثل القلق والعدوانية والخوف وغيرها.
ونشير إلى أن كل إنسان لديه حد معين من ضبط النفس، فيستطيع التحكم في ردود الفعل أو يؤجل الاستجابة في موقف معين إلى حين، لكن الأفراد يختلفون في درجته. وبقدر ما يكون قويا ومنضبطا بالمكونين الأولين للتفاعل الذاتي (معرفة النفس والثقة بالنفس)، وبقدر ما يحقق قدرا مقبولا من التكييف بين ميولاته ورغباته وبين متطلبات الواقع من حوله، بقدر ما تكون صحته النفسية أحسن.
4 – الفاعلية ، إذا كان ضبط النفس معيارا مرتبطا بالكف عن بعض الانفعالات، فإن الفاعلية تعني – على العكس من ذلك - القدرة على الفعل والإنجاز والتأثير والإبداع، مع الاستقلالية في الأداء. ومصداق تحقق الفاعلية القدرة على المبادرة، وعلى تحقيق الأهداف التي يريدها الشخص، وعلى النمو والتطور نحو الأحسن، وعلى التأثير في الواقع المحيط في حدود الإمكانات والقدرات بطبيعة الحال.
الصحة النفسية - الصحة النفسية الإيجابية - معايير الصحة النفسية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة