مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (119)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


05/01/2024 القراءات: 490  


وسائل التواصل:
إن أحوال الدنيا المتغيرة تطلعنا كل يوم على أشياء مستجدة في مجالات كثيرة، ولا سيما في مجالات التواصل الاجتماعي، وللإنسان رغبة شديدة في الحديث عن نفسه، وإظهار مكنوناتها، ومشاركة الآخرين بما يعيشُه ويحسُّ ويشعرُ به، والدوافع مختلفة فهناك الدافعُ الطيبُ، وهناك السيئُ، وهناك البرئُ، وقد يجد الكثيرون فراغًا طويلًا فيحبون أنْ يقضوه في التلهي والتسلي بهذه الوسائل، ولكن الإنسان لا يمكن أن يُترك بعيدًا عن القواعد والضوابط والروابط، وقد شُوّه مفهوم الحرية اليوم تشويهًا كبيرًا، وكان يُقال سابقًا: تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين، ولكننا نجد اليوم حريات منتهكة، وخصوصيات مخترقة، وحقوقًا ممغوطة.
والحق أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي يجبُ أن تكون خاضعة لسلطان الشرع والقانون والعقل، ولا بد من احترام هذه الثلاثية، وللبلاد أعرافٌ وتقاليدُ وهويةٌ وخصوصيةٌ، ولها مرجع في ثقافتها وحياتها وأنماط عيشها، ويجبُ النظرُ إلى هذا كلِّه بعين التقدير والاحترام، والمحافظة على هيبة البلاد وثقافتها، وما ارتضته لنفسها في ماضيها وحاضرها.
يقودُنا هذا كله إلى القول بوجوب إيجاد آليةٍ معينةٍ تمنع التسيبَ في استخدام وسائل التواصل المستجدة، وتحدُّ من انفلاتها، وتتابعُ مَنْ يشذُّ عن مقتضياتِ الدينِ، والقانون، والعقلِ، وينشرُ ما لا ينسجم معها، ويستهتر بشخصية البلاد والشعوب.
الدين يُهذِّب، والقانون يُرهِّب، والعقل يُبصِّر، ومَنْ يضرب هذا كله بعرض الحائط ويخرج عنه فلا بد من تحذيرهِ وتنذيرهِ وردعهِ بالوسائل المناسبة.
لا يمكن القول بوجود حرية بلا حدود، أو رغبات بلا قيود، أو تصرفات بلا ضوابط، وإذا خُيل للإنسان أن الحياة تقدمتْ، وأن الأبواب الموصدة فتحتْ، وأنه يستطيع أن يقول أو أن يفعل ما يشاء وما تملي عليه نفسُه أو يسوغه له هواه فإنه يكون واهمًا كل الوهم.
إن النشر في الفضاء المفتوح يجب أن يكون متسمًا بسمات الحق والحقيقة، والصدق والصواب، وأن يكون منسجمًا مع ثقافة البلاد وهويتها، وأن لا يميل مع الهوى والرغبات المنفلتة.
***
تكملة كتاب "التيسير في التفسير" للنسفي:
(بحمد الله ومَنِّه، نزفُّ إلى القراء الكرام قربَ صدورِ المجلَّدِ الثامنِ من (التيسير في التفسير) للإمام أبي نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم القشيري (ت: 514)، وهو يطبعُ مفردًا.
إذ بعد طبع الكتاب في (7 مجلدات) اعتمادًا على أربع نسخ خطية، وقفنا على نسخة نفيسة مكتوبة سنة (548)، تشتمل على القسمِ الثاني من الكتاب من (سورة مريم) إلى (سورة الناس).
وقد كان جزء كبير من القسم الثاني من التفسير - خصوصًا من بعد (سورة المؤمنون) إلى نهاية الكتاب- تمَّ تحقيقه على نسخة واحدة متأخرة كتبت سنة (1044)، وهي كثيرة التصحيف والتحريف، وفيها سقط في عدة مواضع، وكأنَّ ناسخها اعتمد على أصل سقيمٍ أو فيه رطوبة، حتى إنه كان يرسم بعض الكلمات رسمًا دون تبين معناها، وقد عانينا في تحقيق هذا القسم مشقَّةً كبيرةً.
وقد بينَّا عند وصف النسخ في مقدمة تحقيق الكتاب (1/ 55) ملاحظة مهمة، وهي وقوع لحْقٍ في نهاية النسخة (من (سورة القيامة) إلى آخر الكتاب) ليس من كلام الإمام أبي نصر القشيري، واستدللنا على ذلك بعدة أدلة قاطعة، تنظر في التعليقات. ووضع هذا القسم في قسم (ملحق التفسير)، ونبهنا على ذلك أيضًا في موضعه (7/ 356).
فلمَّا وصلت إلينا هذه النسخة النفيسة بإفادة أحد فضلاء أهل العلم بارك الله في علمه وعمره وتأكدنا من صحة نسبتها إلى المؤلف، لم نجد بدًّا من إعادة مقابلة النصف الثاني من الكتاب، وإعادة التحقيق رأسًا من سورة القيامة إلى سورة الناسِ، ونشره موضعَ اللحق الذي كان في النسخة المتأخرة المشار إليها.
وحرصًا من دار اللباب على إفادة القراء وطلاب العلمِ، يطبعُ هذا المجلَّدُ الذي يحتوي على القطعة الأخيرة من التفسير (من (سورة القيامة) إلى (سورة الناس)) بنسبته الصحيحة إلى الإمام أبي نصر القشيري، وهو يشتمل على أهم الفروقِ والتصويباتِ التي ظهرت بعد المقابلة في القسم الثاني من الكتاب (من (سورة مريم) إلى (سورة المدثر)).
وسوف يوزع مفردًا مجانًا، للإخوة الذين اقتنوا الكتاب بمجلداته السبعة، بإذن الله تعالى.
والحمد لله على فضله وتوفيقه.
محمد خلوف العبد الله).
***
الموقف من الغرب:
يقول الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين في كتابه: "حصوننا مهدّدة من داخلها" الذي طبع عام (1967م):
"ونحن إن احتجنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب وتفوقه في الصناعات الآلية التي كانت سببًا في مجده وسيادته، فمن المؤكد أننا في غير حاجة إلى استيراد قواعد السلوك والتربية والأخلاق التي تدل الأمارات والبوادر على أنها ستؤدي إلى تدمير حضارته والقضاء عليها قضاء تامًا في القريب العاجل. إننا نحتاج إلى مواد البناء، لأن لدينا من عوامل الضعف والهدم ما يكفي.
ومع ذلك كله تجد فينا من لا يُصيخون السمع إلى صوت الدين، وهم يلحدون في آيات الله فيميلون بها عن وجهها حينًا ويجادلون فيها أشد المجادلة حينًا آخر، ولكنهم يخضعون لهذه المزاعم الداعرة ويرونها فوق النقاش واِلمراء. هؤلاء قوم لا تقوم عندهم الحجة بالقرآن، ولكنها تقوم بهذه الظنون والأوهام. فإِذا عارضتهم بالثابت من قول الله سبحانه وتعالى - وهم يزعمون أنهم مسلمون - لَوَّوا رؤوسهم وقالوا: نحدثك في العلم فتحدثنا في الدين؟ كأن هذه الأوهام أثبت عندهم من القرآن، أترى فرقًا بين هؤلاء، وبين أمم قد خِلت من الضالين كانوا يقولون إذا ذكّروا بآيات الله: {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.
حصوننا مهدّدة من داخلها (ص: 39).
محمود عنداني.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع