مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


21/04/2023 القراءات: 260  


سلسلة أمهات المؤمنين
حفصة بنت عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)


نسبها ومولدها (رضي الله عنها)
هي حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل العدوية القرشية.
وحفص على التذكير من أسماء الأسد، وبالتأنيث أنثاه، وكثيراً ما كان ينادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمر (رضي الله عنه) بقوله يا أبا حفص.
وأمها زينب بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون أحد السابقين إلى الإسلام في مكة.
أصيلة الحسب والنسب، وفي الذروة من قريش مكانةً، ولدت كما تذكر روايات التاريخ قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس سنوات، ويؤرخون لمولدها ببناء قريش للكعبة بعد أن جرفها السيل. وعلى هذا يكون مولدها في نفس تاريخ مولد فاطمة الزهراء (رضي الله عنها) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
نشأتها
نشأت حفصة (رضي الله عنها) في بيت عمر بن الخطاب نشأة كريمة عزيزة، تحترم الأب وتخشاه في آن معاً لما كان عليه من شدة وقسوة وغلظة في جاهليتها!!
وتعلمت حفصة القراءة والكتابة منذ نعومة أظافرها، على نهج الأشراف والسادة، وبرعت في ذلك وتفوقت على قريناتها.
مرت أعوامها الأولى أثناء فتوتها وصباها وهي ترى بأم عينها وتسمع أنباء الصراع العنيف بين الفئة المؤمنة بقيادة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الكثرة الكافرة بقيادة الصناديد من قريش ومن بينهم والدها عمر…، ولكنها لم تكن تدرك أو تتأثر إلا في حدود طاقة عقلها ووجدانها.
إسلامها
عاد الأب عمر ذات يوم إلى داره بوجه غير الذي خرج به في الصباح، وبلسان ولهجة غير ما كان ينطق من قبل… إنه متهلل الوجه يشع نوراً وحبوراً، طلق المحيا، مبسوط اللسان بالكلام اللين الذي يقطر رقة وعذوبة. لا شك أن تغييراً كبيراً قد حدث..! وعرف أهل الدار بإسلام عمر ففرحوا وانشرحت صدورهم. وازدادوا فرحاً بالتغيير..! لقد زالت عن سماء الدار سحابة التجهم، وانطلقت في أرجائه بسمة الرضى.
زواجها الأول
وخطبها إلى أبيها خُنَيْسُ بن حُذافة السَّهْميّ الشاب المسلم المؤمن فرحب به عمر وأكرم وفادته. وعلى بركة الله انتقلت حفصة من دار أبيها إلى دار زوجها خُنيس وعاشا معاً في وفاق ومحبة ووئام.
لقد عاشت حفصة زوجة تعرف حقوق وواجب الزوجية، تقدر المسؤولية، وتضطلع بأعباء بيت الزوجية وواجباته وترعى كل أموره بحكمة المرأة الناضجة العاقلة رغم سنها المبكرة. وكانت حفصة (رضي الله عنها) تقدر في زوجها خُنيس سابقته في الإسلام، فهو من الأوائل الذين حملوا الدعوة في قلوبهم وتشعبت بها أرواحهم وجاهدوا من أجلها بأموالهم وأنفسهم تقرباً إلى الله عز وجل. لقد كان خنيس (رضي الله عنه) من مهاجري الحبشة الهجرة الأولى، لذا كان حبها عظيماً، ومنزلته من قلبها في الصميم.
حفصة المهاجرة
ثم كان الحدث العظيم في حياة المسلمين… وهو هجرتهم من مكة إلى المدينة حيث أخذت الدعوة مساراً جديداً ومفترقاً هاماً وفاصلاً. فهاجرت حفصة مع زوجها خنيس (رضي الله عنها) منتظمين في ركب المسلمين وموكب المؤمنين.
الأرملة الحزينة
خاض المسلمون بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدراً في العام الثاني من الهجرة، وانتصروا يومئذ بتأييد من الله تعالى على المشركين نصراً مؤزراً، وعادوا إلى المدينة التي استقبلتهم استقبالاً حافلاً عظيماً. فقد كان يومئذ أول صفحة في سفر الجهاد حيث تنكسب أعلام الجاهلية وفرغ كبرياؤها، وزلزلت أركان عنجهيتها، وبدت قريش أمام العرب مهينة ضعيفة هزيلة.
لكن الثأر حركها من رقدتها وأيقظ ما عفا من عزتها الجوفاء…، فصممت على إعادة الكرة، واستعادة الموقع والموقف كي تظل سيدة العرب بلا منازع، وتقضي حسب وهمها على بدعة الدين الجديد. فخرجت بجموعها وحشودها، وكل عزمها وحزمها إلى المدينة تريد المواجهة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عقر داره وحصنه الحصين..!
وكان ما كان من نتائج أحد! ووقع خنيس (رضي الله عنه) جريحاً، يعاني أشد المعاناة، ينزف وتتردد أنفاسه بطيئة في صدره، تنذر بدنو الأجل. فكان قلب حفصة يئن من الحزن، ويضج بالهم والغم…، وهي تلازم فراش خنيس، تمارضه وتسعى لإنقاذه. ولم يكونا قد رزقا بمولود، ذكر أو أنثى…
وأسرع ابن الخطاب (رضي الله عنه) إلى دار ابنته ليطمئن على ختنه…، ولكن سبق السيف العذل، ولم تفلح عقاقير الأطباء ولا معالجتهم في شفائه فقضى في ريعان شبابه.
وترملت حفصة (رضي الله عنها) وهي في سن مبكرة إذ كانت لا تعدو العشرين ربيعاً من عمرها. وانطوت حفصة على نفسها حزينة بائسة…، صابرة…، محتسبة فقيدها الغالي عند الله تعالى، وفي رحمته سبحانه، وأسلمت أمرها للباري عز وجل.
أحزان عمر لقد تألم عمر (رضي الله عنه) كثيراً لفقدان خنيس وترمل حفصة…، فكان يزورها ويواسيها ويحاول أن يخفف عنها ما تعانيه، ثم يخرج من عندها وفي عينيه دمعة، وفي قلبه حسرة، وفي حلقه غصة. وفي ذات يوم، وقد بلغ الحزن مداه في نفسه، التقى في الطريق بعثمان بن عفان الذي كان قد فقدَ زوجته رقية بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتشجع وعرض عليه الزواج من حفصة، فقال عثمان: مالي في النساء حاجة!
لم يقلها عثمان بجفوة أو غلظة، ولكن بإحساس مرارة الزوج الحزين، الذي لا يزال يعيش جو حبه لزوجته الحبيبة.
ثم لقي عمرٌ أبا بكر فعرض عليه نفس العرض، الزواج من حفصة، فسكت ولم يجب..! فغضب عمر كثيراً، وأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والثورة بادية على محياه، حمرة الأسى تتقد في عينه، وحين استمع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرف ما به قال له: يزوج الله تعالى عثمان خيراً من حفصة ويزوج حفصة خيراً من عثمان، فهدأ بعض غضبه (رضي الله عنه) وإن لم يدرك أبعاد هذه الكلمات، وخرج من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحمل في قلبه بعض الطمأنينة.


سلسلة أمهات المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع