مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


من حكم الله الباهرة وآياته الظاهرة التي تبطل عمل المفسدين

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


22/01/2023 القراءات: 394  


قالوا: فهذه النصوص وأمثالها كثير تدل على أن العبرة بصلاح الباطن وصفاء النية وسلامة القلب، ولا التفات بعد ذلك إلى القشور الظاهرة.
وجواب ذلك:
ما قاله شيخ الِإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله، إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله)، وهذه من حكم الله الباهرة وآياته الظاهرة التي تبطل عمل المفسدين.
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لِكُلِّ امريءٍ ما نَوَى " لا يدل بأي وجه من وجوه الدلالات على إهدار العمل الظاهر، وعدم اعتباره، ولكنه يرشدنا إلى أحد شَرْطَيْ العبادةِ الصحيحة، وهما شرط في الظاهر، وشرط في الباطن، فأما شرط الظاهر: فأن يكون العمل موافقًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منافيًا للبدع، ودليل هذا الشرط قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد " (1) وفي رواية: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، وأما شرط الباطن فهو إخلاص النية لله عز وجل المنافي للرياء ودليله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات".
وقد جمعهما الله تبارك وتعالى في قوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (2).
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} (3) قال: " أخلصه وأصوبه "، وقال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا"، قال: " والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة "، فالحديث دليل على خطر النية وعظم شأنها، ولا يدل بحال على إسقاط شعائر الِإسلام الظاهرة، وقوله - صلى الله عليه وسلم - " الأعمال بالنيات " تقديره (الأعمال الواقعة بالنيات) أو (الأعمال حاصلة بالنيات) (1) أي الأعمال الاختيارية لا تقع إلا عن قصد من العامل هو سببب وجودها وعملها، ثم يكون قوله: " وإنما لكل امريء ما نوى " إخبارًا عن حكم الشرع، وهو أن حظ العامل من عمله بنيته فإن كانت صالحة فله أجره، وإن كانت فاسدة فعمله فاسد فعليه وزره).
بل في الحديث ما يدل على خطرها أيضًا، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".فهذا مَثَلٌ من الأعمال التي صورتها في الخارج واحدة، ويشترك فيها المؤمنون والمنافقون، ويختلف صلاحُها وفسادُها باختلاف النيات، فهل يستقيم أن يستنبط إنسان من هذا التنفير عن الهجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام اعتماداً على صدق النية، ألا يكون تخاذله عن هذه الهجرة من باب أولى أعظم دليل على فساد قلبه وسوء نيته؟! مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " (1).
وما قيمة هذه النية المزعومة إذا لم ينبثق عنها امتثال الأوامر واجتناب المناهي؟! ونظير ذلك نصوص كثيرة تربط بين كافة الشرائع الظاهرة وبين النية، وتُعَلِّقُ الفلاح على صلاح النية وصلاح العمل - قال مطرف بن عبد الله: " صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية ".
* من ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى " (2) فقوله - صلى الله عليه وسلم -: " وحسابهم على الله عز وجل " يعني أن الشهادتين مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهي أعمال ظاهرة؛ تعصم دم صاحبها وماله في الدنيا إلا بأن يأتي ما يبيح دمه، وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل فإن كان صادقًا أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذبًا فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وفي بعض روايات مسلم: ثم تلا: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 21 - 26].
ومن ذلك: ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن خالد بن الوليد رضي الله عنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتل رجل، فقال: "لا، لعله أن يكون يصلي" فقال خالد: وكم من مُصَلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم " (1).
* ومن ذلك: ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عِقالًا فله ما نوى " (2).ومنه: ما رواه كعب بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يجاري به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه؛ أدخله الله النار" (3).
فهذه كلها وأمثالها كثير، نصوصٌ تنبه على خطورة الِإخلاص واشتراطه في الأعمال الصالحة، وأن القول بإهدار الأعمال الظاهرة قول ساقط يؤدي إلى ضياع الدين واستحلال المحرمات احتجاجًا بالنية الصالحة المزعومة (1)، وكذبوا، لو حسنت نياتهم لحسنت أعمالهم، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب " فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه للحرمات واتقائه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليمًا ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها،


من حكم الله الباهرة وآياته الظاهرة التي تبطل عمل المفسدين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع