مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


إن في الله عزاء من كل مصيبة

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


08/07/2023 القراءات: 374  


روى الشافعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توفي سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب، وعلم العبد أن حظه من المصيبة ما يحدثه من خير وشر، وعن محمود بن لبيد مرفوعا «إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» إسناده جيد، وهو إسناد حديث «إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا» ولذاك إسناد آخر. قال البخاري وغيره في محمود له صحبة وقال أبو حاتم وغيره: لا صحبة له رواه الترمذي وأحمد وزاد «ومن جزع
فله الجزع» .
وعن أنس مرفوعا «إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» وعنه أيضا «إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه حتى يوافي ربه يوم القيامة» رواهما الترمذي وقال: حسن غريب.
وروى ابن ماجه الأول وروى أحمد الثاني من حديث عبد الله بن مغفل، وعلم أن آخر أمره الصبر، وهو مثاب، وفي الصحيحين من حديث أنس «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» وقال الأشعث بن قيس: إنك إن صبرت إيمانا واحتسابا وإلا سلوت البهائم، وعلم أن الذي ابتلاه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ليمتحن صبره ويسمع تضرعه، ويخوفه قال الله تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} [المؤمنون: 76] وقال تعالى {وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون} [الزخرف: 48] .
قال الشيخ محمد بن عبد القادر: يا بني المصيبة ما جاءت لتهلك، وإنما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك، يا بني القدر سبع، والسبع لا يأكل الميتة، فالمصيبة كير العبد، فإما أن يخرج ذهبا أو خبثا كما قيل:
سبكناه ونحسبه لجينا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد
اللجين الفضة جاء مصغرا مثل الثريا وكميت، وعلم أنه لولا المصائب لبطر العبد وبغى وطغى فيحميه بها من ذلك ويطهره مما فيه، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه كما قيل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
واعلم أن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال: - عليه السلام - «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» وقال: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» ومعلوم أن العاقل من احتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد.
وذل ساعة لعز الأبد، هذا من لطف الله به حتى نظر في العواقب والغايات، والناس إلا من عصم الله آثروا العاجل لمشاهدته وضعف الإيمان، وعلم أنه يحب ربه وأن المحب وأنه إن أسخطه فهو كاذب في محبته، ولهذا كان عمران بن حصين - رضي الله عنه - يقول في مرضه: أحبه إلي أحبه إليه، وكذا أبو العالية وقال أبو الدرداء: - رضي الله عنه - إن الله إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به، وعلم أن مراتب الكمال منوطة بالصبر والعكس بالعكس، وأقل الأحوال أن لا يتهم ربه في قضائه له.
كما روى أحمد حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: إن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا نبي الله أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله، قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله قال: السماحة والصبر قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله قال: لا تتهم الله في شيء قضي لك» ابن لهيعة فيه كلام مشهور. وعن محمد بن خالد السلمي عن أبيه عن جده مرفوعا «أن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها، ابتلاه الله تعالى في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل» رواه أحمد أبو داود، وعن شيخ من بني مرة عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى مرفوعا «لا يصيب المؤمن نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر» رواه الترمذي وقال: غريب.
فإذا علم العبد هذه الأمور نظر فيها وتأملها صبر واحتسب وحصل له من
خير الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، والناس في هذا متفاوتون كغيره من الأمور وسيأتي آخر فصول التداوي. (فصل في داء العشق) له مناسبة وتعلق بهذا، والله أعلم، وليس بجيد ما أنشده محمد بن داود الظاهري لنفسه:
يقولون لي في الصبر روح وراحة ... ولا عهد لي بالصبر مذ خلق الحب
ولا شك أن الصبر كالصبر طعمه ... وإن سبيل الصبر ممتنع صعب
وقد قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه: السر المصون اعلم أن من طلب أفعاله من حيث العقل المجرد، فلم يجد يعترض، وهذه حالة قد شملت خلقا كثيرا من العلماء والجهال أولهم إبليس، فإنه نظر بمجرد عقله فقال: كيف يفضل الطين على جوهر النار؟ وفي ضمن اعتراضه أن حكمتك قاصرة وأن رأيي أجود، فلو لقيت أنا إبليس كنت أقول له: حدثني عن فهمك هذا الذي رفعت به أمر النار على الطين، أهو وهبه لك أم حصل لك من غير موهبته فإنه سيقول: وهب لي، فأقول: أفيه لك كمال الفهم الذي لا تدركه حكمته فترى أنت الصواب، ويرى هو الخطأ؟ وتبع إبليس في تغفيله واعتراضه خلق كثير مثل ابن الراوندي والمعري ومن قوله:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ... وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ ... رأى منك ما لا يشتهى فتزندقا
وكان أبو علي بن مقلة يقول:
أيا رب تخلق أقمار ليل ... وأغصان بان وكثبان رمل
وتبدع في كل طرف بسحر ... وفي كل قد وسبق بشكل
وتنهى عبادك أن يعشقوا ... أيا حاكم العدل ذا حكم عدل
وكان أبو طالب المكي يقول: ليس على المخلوق أضر من الخالق


إن في الله عزاء من كل مصيبة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع