مدونة الدكتور محمد محمود كالو


فوائد السجود الدينية والدنيوية (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


01/10/2023 القراءات: 393  


فوائد السجود الدينية والدنيوية
وردت كلمة (سجد) وصيغها في القرآن الكريم (٩٢) مرة، وهو يساوي بالعدد لكلمة (الدِّين) ومشتقاتها التي وردت (٩٢) مرة، ومع كلمة (الليل) مفردة وجمعاً والتي تكررت (٩٢) مرة أيضاً، إذ هذه الكلمات الثلاث يربط بينها ترابط خاص.
وفي القرآن الكريم أربع عشرة آية سجدة، يقال لها: سجود التلاوة، وهناك سجود السهو لمن سها وأخطأ في الصلاة، وسجدة الشكر يُشرع كلما حصلت للمسلمين نعمة عامة، أو اندفعت عنهم نقمة، أو حصلت للمسلم نعمة خاصة، سواء تسبب في حصولها أو لم يتسبب، وكلما اندفعت عنه نقمة، وقد كَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ تعالى.
هذا وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلىٰ معنيين من السجود وهما:
أولاً: سجود اختيار: وينقسم هذا السجود بالنظر إلى نية الفاعل إلى نوعين:
1-سجود تحيةٍ وإكرامٍ: وهو الذي لا يريد فاعله عبادة مَن سجد له، بل يقصد تكريمه كسجود إخوة يوسف وأبويه ليوسف عليه السلام، قال اللهَ تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف 100]، أي: وأجْلَسَ أباه وأمه على سرير ملكه بجانبه؛ إكرامًا لهما، وحيَّاه أبواه وإخوته الأحد عشر بالسجود له تحية وتكريمًا، لا عبادة وخضوعًا، وكان ذلك جائزًا في شريعتهم، وقد حَرُم في شريعتنا؛ سدًا لذريعة الشرك بالله تعالى.
2-سجود عبادة: وهو الذي يريد فاعله عبادة مَن يسجد له، ولا يجوز هذا النوع من السجود لغير الله سبحانه وتعالى، قال اللهَ تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58].
ثانياً: سجود تسخير: وهو للإنسان والحيوان والنبات والجماد، كما قال اللهَ تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6].
فالمؤمنون والملائكة يسجدون لله تعالى طوعًا واختيارًا، والكافرون يسجدون لله تعالى كرهًا واضطرارًا؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15].
والسجود هو أعظم ما يظهر فيه ذلُّ العبد لربِّه عز وجل؛ حيث جعل العبدُ أشرَفَ ما له من الأعضاء، وأعزَّها عليه، وأعلاها حقيقة، أوضَعَ ما يمكنه، فيضعه في التراب مُتعفِّرًا، ويتبع ذلك انكسار القلب وتواضعه، وخشوعه لله عز وجل؛ ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يُقرِّبه الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19].
وما أكثرَ الذين استولت عليهم الشياطين في عصرنا هذا، وزيَّنت لهم السجود لغير الله تعالى؛ كمن يسجدون للشمس أو القمر، أو النار أو البقر، وغيرها، وقديماً سجد لغير الله تعالى أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان وزيَّن لهم عبادة غير الباري سبحانه، وقد ذكر الهدهد ذلك لنبي الله سليمان عليه السلام فقال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 23، 24].
ومَن تكبَّر عن السجود لله تعالى في الدنيا، فلن يستطيع السجود في الآخرة إذا دُعِيَ لذلك؛ قال الله عز وجل: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43].
فالسجود لله من صفات المؤمنين الذين يبتغون رضا الله عنهم والفوز بالجنة؛ قال الله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29].
وأول سعادةِ لسحَرةِ فرعون كان سجودُهم لله جل جلاله؛ قال عز وجل: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ. قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: 46 - 48]؛ فيا لسعادة مَن سجد لله جل جلاله خالصاً ومخلصاً!


فوائد، السجود، الدينية، الدنيوية، سجود التلاوة، الشكر، السهو


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع