مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


الصبر والصابرين وفوائد المصائب والشدائد

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


07/07/2023 القراءات: 212  


الصبر والصابرين وفوائد المصائب والشدائد
) قال الله تعالى: {وبشر الصابرين} [البقرة: 155] {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 157] وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200] .
إلى غير ذلك من الآيات. وصح عنه الأمر بالصبر في أحاديث. وروى أحمد ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة: «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] اللهم اؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها» .
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد «ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خير وأوسع من الصبر» وخير مرفوع خبر مبتدإ محذوف تقديره هو خير. وروي " خيرا " قال: «واعلم أن النصر مع الصبر وإن مع العسر يسرا» .
فإذا علم العبد أنه وما يملكه لله سبحانه حقيقة؛ لأنه أوجده من عدم ويعدمه أيضا ويحفظه في حال وجوده، ولا يتصرف فيه العبد إلا بما يتاح له وأن مرجعه إلى الله، ولا بد فردا كما قال تعالى: {ويأتينا فردا} [مريم: 80] .
وقوله {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون} [الأنعام: 94] .
وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. كما قاله وكما قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير - لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد: 22 - 23] .
وإن الله لو شاء جعل مصيبته أعظم مما هي، وإنه إن صبر أخلف الله عليه أعظم من فوات مصيبته، وإن المصيبة لا تختص به فيتأسى بأهل المصائب، ومصيبة بعضها أعظم، وإن سرور الدنيا مع قلته وانقطاعه منغص.
وقد روي عن ابن مسعود قال: لكل فرحة ترحة، وما ملئ بيت فرحا إلا ملئ ترحا وقال ابن سيرين - رحمه الله -: ما كان ضحك قط إلا كان بعده بكاء. وقد شاهد الناس من تغير الدنيا بأهلها في أسرع ما يكون العجائب.
وقالت هند بنت النعمان بن المنذر: لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكا، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن من أقل الناس، وإنه حق على الله أن لا يملأ دارا حيرة إلا ملأها عبرة، وبكت أختها حرقة بنت النعمان يوما وهي في عزها فقيل: ما يبكيك لعل أحدا آذاك؟ قالت: لا، ولكن رأيت غضارة في أهلي وقلما امتلأت دار سرورا إلا امتلأت حزنا.
والغضارة طيب العيش يقول: بنو فلان مغضورون وقد غضرهم الله وإنهم لفي غضارة من العيش، وفي غضراء من العيش أي:
في خصب وخير قال الأصمعي: لا يقال: أباد الله غضراءهم، ولكن أباد الله غضراهم، أي هلك خيرهم وغضارتهم.
وقالت حرقة أيضا: ما نحن فيه اليوم خير مما كنا فيه بالأمس. إنا نجد في الكتب أنه ليس من أهل بيت يعيشون في حيرة، إلا سيعقبون بعدها غبرة. وإن الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوم يكرهونه، ثم قالت:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف
تنصف أي خدم وعلم العبد أن الجزع لا يرد المصيبة بل هو مرض يزيدها، وإنه يسر عدوه ويسيء محبه، وإن فوات ثوابها بالجزع أعظم منها، ومنه بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده واسترجاعه.
وفي البخاري عن أبي هريرة مرفوعا «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» وفي الترمذي وقال غريب عن جابر مرفوعا: «يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا، لما يرون من ثواب أهل البلاء» .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا «ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» . وعن ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال «قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض وليس عليه خطيئة» وعن أبي هريرة «بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» صححهما الترمذي وروى الثاني مالك وأحمد. ورويا أيضا والبخاري عن أبي هريرة مرفوعا: «من أراد الله به خيرا يصيب منه» .
وعن صهيب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» ورواه مسلم ولأحمد عن أنس مرفوعا «عجبت للمؤمن، إن الله تبارك وتعالى لم يقض له قضاء إلا كان خيرا له» . وعن أبي سعيد مرفوعا «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليفرح بالبلاء، كما يفرح أحدكم بالرخاء» مختصر من ابن ماجه. وعن شداد مرفوعا «يقول الله عز وجل: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه كيوم ولدته أمه من الخطايا» رواه أحمد. وعن محمد بن إسحاق من أهل الشام يقال له: منظور عن عمه عامر مرفوعا «إن المؤمن إذا أصابه سقم ثم أعفاه الله منه، كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه» رواه أبو داود، ولمسلم من حديث عائشة «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها، إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة»
وما كفى إن فات حتى عصى بذلك لأنه أسخط ربه، وفوات لذة عاقبة الصبر واحتسابه أعظم مما أصيب به، لو بقي وعلم أن في الله خلفا ودركا فرجا الخلف منه.
يتبع.


الصبر والصابرين وفوائد المصائب والشدائد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع