مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


✍️الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوضح المراد بالظلم ،وكيف أن مريم أخت هارون

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


24/12/2022 القراءات: 330  


✍️الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوضح المراد بالظلم في سورة الأنعام
روى البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} شق ذلك على المسلمين وقالوا: أَيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك، إنما هو الشرك. ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
فالصحابة عليهم الرضوان حملوا الظلم في الآية على المعاصي والذنوب، وكانوا يعلمون أنهم غير معصومين منها، ولهذا قالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ يعني أينا لا يذنب ولا يعصي؟ إذن فجميعنا هالكون، لا أمن لنا ولا أمان ولا اطمئنان، ولا نجاة من العذاب.
وهذا يدل على نظرتهم للقرآن وتلقِّيهم لآياته وتفاعلهم الحي معها، وتطبيقهم لمعانيها والتزامهم بها، وتحرجهم من أي تقصير، وخوفهم من أي ذنب، ورغبتهم العملية في أن يبقوا مع الحق والخير والعمل الصالح.
والرسول عليه الصلاة والسلام صحَّح لهم خطأهم في النظر للآية، وصوب لهم فهمهم لمعناها، ووضَّح لهم المراد بالظلم فيها، وبيَّن لهم أنه ليس الذنب والمعصية والتقصير، وإنما هو الشرك بالله. وطالما أنهم موحدون لله عابدون له، بريئون من الإشراك به، فإنهم في أمان وأمن واطمئنان ويقين. إن الآية لا تتحدث عنهم ولا تنطبق عليهم، ولكنها تعني المشركين بالله، وتقرر أنهم لا أمن لهم ولا أمان.
وقد استعان الرسول عليه الصلاة والسلام بآية من سورة لقمان تقرر أن المراد بالظلم هو الشرك، وجاءت هذه الحقيقة على لسان العبد الصالح لقمان وهو يعظ ابنه وينهاه عن الشرك. {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
إن المراد بالظلم في هاتين الآيتين هو الشرك. لكن ليس كل الظلم في القرآن يراد به الشرك، فقد يُراد به المعصية كما في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبيّن كيف أن مريم أخت هارون
روى مسلم والترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لما قدِمتُ نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرأون " يَا أُخْتَ هَارُونَ " وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فلما قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته، فقال: إنهم كانوا يسمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم.
لما التقى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بنصارى نجران، أرادوا أن يثيروا أمامه الشبهات ضد القرآن، وأن يشككوا في الصدق التاريخي لتقريراته وقصصه بدعوى أنها لا تتفق مع التاريخ.
وقفوا أمام الآيات التي تشير إلى مواجهة مريم - رضي الله عنها - لقومها وهي تحمل عيسى عليه السلام. {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}. كيف تكون مريم أخت هارون النبي شقيق موسى النبي - عليهما السلام - وبين هارون ومريم مئات السنين؟ وهل يعقل أن تكون مريم شقيقةً له مع هذا الفاصل الزمني الطويل؟، إذن هذه ليست صحيحة، بل هي منقوضةٌ تاريخياً!.
ومنشأ الخطأ عندهم أنهم حملوا اسم هارون على هارون النبي - شقيق موسى عليه السلام - ولو كان هو المقصود بالاسم لصحَّ ما قالوه.
ولما جاء المغيرة بن شعبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وضَّح له من هو هارون، وأزال اللبس والشك الذي أثاره نصارى نجران. فقال له: إنهم كانوا يتسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم.
إذن ليس هو هارون شقيق موسى عليه السلام، بل هو هارون آخر كان معاصراً لمريم، ويبدو أنه كان شقيقاً لها، وعندها تصح نسبة أخوَّتها له.
أو أن المراد أخوَّتها له في العبادة والتديُّن، وكأنهم يقصدون بأخت هارون: يا شبيهة هارون في عبادته وتقواه وطهره وفضيلته. وهو الأرجح - والله أعلم - (1).
...
__________
(1) قال الإمام فخر الدين الرازي ما نصه:
" وَأَمَّا هَارُونُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ عُرِفَ بِالصَّلَاحِ، والمراد أنك كنت في الزهد كهرون فَكَيْفَ صِرْتِ هَكَذَا، وَهُوَ قَوْلُ/ قَتَادَةَ وَكَعْبٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ذُكِرَ أَنَّ هَارُونَ الصَّالِحَ تَبِعَ جِنَازَتَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا كُلُّهُمْ يُسَمَّوْنَ هَارُونَ تَبَرُّكًا بِهِ وَبِاسْمِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ أَخُو مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَنَوْا هَارُونَ النَّبِيَّ وكانت من أعقابه وإنما قيل أخت هَارُونَ كَمَا يُقَالُ يَا أَخَا هَمْدَانَ أَيْ يَا وَاحِدًا مِنْهُمْ. وَالثَّالِثُ: كَانَ رَجُلاً مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ بِمَعْنَى التَّشْبِيهِ لَا بِمَعْنَى النِّسْبَةِ. الرَّابِعُ: كَانَ لَهَا أَخٌ يُسَمَّى هَارُونَ مِنْ صُلَحَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَعُيِّرَتْ بِهِ «1»، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ظَاهِرُ الْآيَةِ مَحْمُولاً عَلَى حَقِيقَتِهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَخٌ مُسَمًّى بهارون. الثَّانِي: أَنَّهَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ وَوُصِفَ أَبَوَاهَا بِالصَّلَاحِ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ التَّوْبِيخُ أَشَدَّ لِأَنَّ مَنْ كَانَ حَالُ أَبَوَيْهِ وَأَخِيهِ هَذِهِ الْحَالَةَ يَكُونُ صُدُورُ الذَّنْبُ عَنْهُ أَفْحَشَ ". اهـ (مفاتيح الغيب. 21/ 530).


✍️الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوضح المراد بالظلم ،وكيف أن مريم أخت هارون


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع