مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (212)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


26/08/2024 القراءات: 716  


-تاريخ (معهد المخطوطات العربية):
هذا المعهد له تاريخٌ حافلٌ، وأخبارٌ كثيرةٌ، وآثارٌ مجيدةٌ، وتعاقب على إدارته علماء أجلاء، آخرهم الوزير المفوض الدكتور مراد الريفي (من المغرب)، وعمل فيه كوكبة من أهل العلم وطلابه، ومجلتُه من المجلات التي يَحرص على متابعتها الباحثون في الشرق والغرب، وكذلك نشراتُه، ومنشوراته العلمية والأدبية المتنوعة، وقد قام بمؤتمرات وندوات مهمة جدًّا، وصوَّر مخطوطات نفيسة من بلدان متعددة، وأدعو هنا إلى قيام المعهد بكتابة تاريخه، وهي خطوة كان يجب أن تُتخذ قبل زمن، قبل أن يُسدل الستار على كثيرٍ من أخباره ووثائقه، وعسى أن نجد كتابًا يؤرخ تلك السيرة والمسيرة قريبًا بهمّة مديره الأستاذ الدكتور مراد الريفي وفقه الله تعالى وهيّأ له الأعوان الصالحين.
***
-قراءة التلاميذ مؤلفاتهم على شيوخهم:
هذه لفتة جميلة مِن تواضع الطلاب تُجاه شيوخهم، وحرصهم على الانتفاع بهم، وهي قراءة مؤلفاتهم على شيوخهم، ومِن ذلك هذه الأخبار:
مِنْ علماء العربية: محمد بن السري البغدادي النحوي، أبو بكر ابن السراج، صاحب المبرد، توفي سنة (316) كهلًا ولم يخلفْ في النحو مثله، له كتاب "الأصول" في النحو، مصنفٌ نفيسٌ، قرأه على المبرد شيخهِ، فاستحسنه بعضُ الحاضرين وقال: هذا والله أحسنُ مِنْ كتاب "المقتضب" -الذي للمبرد-، فأنكر عليه ابنُ السراج وقال: لا تقل مثل هذا. وتمثل:
ولكنْ بكتْ قبلي فهيَّج لي البكا … بكاها وكان الفضلُ للمتقدِّمِ
الوافي بالوفيات (3/ 73-74).
-ولما صنَّفَ أبو الفرج ابنُ الجوزي كتابه المسمّى بـ "تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسِّير" -وله إذ ذاك نحو الثلاثين مِن عمره-، عرَضه على شيخه أبي الفضل ابن ناصر السَّلامي (ت: 550)، فكتب عليه:
"‌قرأ ‌عليَّ هذا الكتابَ جامعُهُ الشيخُ، الإمامُ، العالمُ، الزاهدُ، أبو الفرج، فوجدتُّه قد أجاد تصنيفَه، وأحسنَ تأليفَه، وجمعه ولم يُسبق إلى مثل هذا الجمع؛ فقد طالع كتبًا كثيرة، وأخذ أحسنَ ما فيها من الياقوت واللؤلؤ، فنظمَه عقدًا زانَ به التصانيف، التي تجمّعتْ من التواريخ، ومعرفةِ الصحابة وأسمائهم وكُناهم، وأعمارهم، وأبان عن فهمٍ وعلمٍ غزيرٍ، مع اختصارٍ يحضُّ على الحفظ والعمل بالعلم، فنفعه اللهُ بعلمهِ، ونفعَ به، وبلَّغه غاية العمر؛ لينفع المسلمين، وينصرَ السُّنة وأهلها، ويدحضَ البدعَ وحزبَها». ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 488).
***
-التراث الإسلامي:
يقول "بريفولت" في كتابه "بناء الإنسانية": "ليس ثمة ناحية مِن نواحي الازدهار الأوروبي إلا ويمكن إرجاعُها إلى مؤثرات الثقافة الإسلامية بصورة قاطعة".
ثم يقول: "إنَّ علمنا يدين للعرب بوجوده نفسه".
وقد أوضح أنَّ أوروبا استفادت المنهج التجريبي الذي قام عليه التقدُّمُ العلمي المعاصر، من الحضارة الإسلامية.
ويقول العلامة سيديو في كتابه "تاريخ العرب": كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروها أينما حلَّتْ أقدامُهم، وتسربتْ عنهم إلى أوروبا، فكانوا هم سببًا لنهضتها وارتقائها.
ويقول غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب": إنَّ أوروبا مدينة للعرب بحضارتها. ولا يمكن إدراكُ أهمية شأن العرب في الغرب إلا بتصور حال أوروبا حينما أدخل العربُ الحضارة إليها".
من كلمة د. عبدالسلام العبادي في مؤتمر "تحقيق التراث" في جامعة آل البيت في الأردن سنة (2004)، وكان هو رئيس الجامعة. انظر كتاب المؤتمر (1: 8-9).
***
-رحيل محقق كبير:
بلغني -وأنا أكتب هذه الكلمات- مساء اليوم (الاثنين (23) من المحرم سنة 1446 = (29) من يوليو سنة 2024م) وفاة أستاذنا الدكتور محيي هلال السرحان، وكان قد درَّسنا مادة التحقيق في مرحلة الماجستير في كلية العلوم الإسلامية بجامعة بغداد، ثم أشرف علي في مرحلة الدكتوراه، وكان آنذاك عميد الكلية المذكورة، وكانت الأطروحة تحقيق كتاب "العجاب في بيان الأسباب" -أسباب النزول- للحافظ ابن حجر العسقلاني. ولي معه ذكرياتٌ وأخبارٌ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
وقد ولد في مدينة تكريت سنة (1352-1932).
***
-فقيد العلم والعرفان:
في وداع سماحة الوالد الشيخ الفقيه العلامة محمد علي سلطان العلماء.
شعر ابنه الأستاذ الدكتور محمد عبدالرَّحِيمِ سُلْطَانِ العُلَمَاء:
كفنتُهُ بالروح والريحانِ ... وبكيتُه للفقه والقرآنِ
ونعيتُه للشافعي محمد ... وللغزالي شارح الإحسانِ
ونعيتُه لـ (الوصل) تفقد شيخَها ... مَن كان يسعى عند كل أذانِ
يا والدًا عزَّ الزمان بمثله ... أحييتَ فينا نعمة الفرقانِ
قد كنتَ للقرآن خير مجالس ... وكفاك فخرًا «صفوة العرفانِ»
ذكَّرتنا الرازي فخر رجالنا ... في حومة التفسير في الميدانِ
وحملتَ سُنّة أحمد بأمانة ... وسقيتَ منها باسق الأغصانِ
وجعلتَها للناس مثل غَمامةٍ ... تهمي فيُورق كل ذي أفنانِ
وشرحتَ إرث الأربعين لسيدٍ ... هو واحدُ الأبدال في حورانِ
وبثثتَ علم الشافعي بهمة ... تعلو على الأجيال والأقرانِ
صنَّفتَ في غُرَر العلوم بدائعًا ... في غاية التجويد والإتقانِ
ألفتَ في الفقه «اللباب» ويا له ... فكأنه مِن روضة البستانِ
حرَّرتَه حتى جعلتَ عَصِيَّه ... أجلى من المشهور في البرهانِ
قرتْ به عين الشوافع كلهم ... فكأنه السُّبْكي في الميزانِ
وأنرتَ للناس الطريق فسعدهم ... بالوعظ والإرشاد والإيمانِ
وشرحتَ أسماء الإله بمقصدٍ ... أسنى، يُقرّبُ رحمة المنانِ
قد كنتَ غيثًا للقلوب تنيرُها ... وتصونها عن فاسد الأدرانِ
غشاك ربي مِن سحائب رحمة ... تهمي عليك بوابل هتانِ
صلى الإلهُ على الحبيب المجتبى ... مِن خالص الأنساب في عدنانِ
وعلى صحابته الكرام وآله ... أهلِ التقى والخوف للدَّيانِ
توفي الشيخ يوم الاثنين (9) من المحرم (1446) = (15/ 7 / 2024م).
و(الوصل) الواردة في البيت الثالث مِن أسماء دبي.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع