مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين زينب بنت جحش (رضي الله عنها)(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


23/04/2023 القراءات: 263  


خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لها
ووقع الطلاق بين زيد وزينب، وانقضت أيام عدتها، وتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لخطبتها، فأرسل زوجها السابق زيد بن حارثة يخطبها له، فذهب إليها زيد، ووقف وظهره إلى الباب، وقال لها: يا زينبُ، بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطبك. وصمتت زينب ولم تنبس ببنت شفة، بل قامت إلى صلاتها، وراحت تصلي لله بقلب ملؤه الخشوع والإيمان بقضائه وقدره.
ومرت أيام قليلة، وبينما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدث إلى عائشة يوماً، إذ جاءه الوحي بقول الله عز وجل: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) [الأحزاب 37]. وأسرع البشير إلى زينب حين تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الآية الكريمة، فلما سمعت قول الله وأمره بتزويجها من رسول الله، تركت ما بيدها وقامت إلى صلاتها شكراً لله وحمداً له. وهكذا زوج الله سبحانه وتعالى زينب (رضي الله عنها) من نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص قرآني بلا ولي ولا شاهد، وكانت السيدة زينب (رضي الله عنها) بعد زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تفخر بذلك على أمهات المؤمنين وتقول لهن: أنا أكرمكن ولياً، وأكرمكن سفيراً، زوجكن أهلوكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
الأمر بالحجاب
أما وليمة العرس التي أولمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند زواجه من زينب، فقد ذبح فيها شاةً ودعا إليها ما يزيد على سبعين رجلاً من جلة أصحابه وكبار إخوانه، حتى قيل إنه لم يبقَ في المسجد يومها أحد إلا وحضر الطعام…، وأكلوا جميعاً باسم الله.
مكث الحاضرون المدعوون في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقتاً طويلاً أطول من اللازم ومن المألوف، يتحدثون ويتسامرون، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغول بينهم وبين زوجته زينب حتى أنه تأذى من ذلك، ولكنه أخفاه في نفسه وفي هذا نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا).
صيام شهرين
قالت زينب (رضي الله عنها): لما جاء الرسول بتزويج رسول الله إياي جعلت لله علي صوم شهرين. فلما دخل عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كنت لا أقدر أن أصومها في حضر ولا في سفر تصيبني فيه القرعة، فلما أصابتني القرعة في المقام صمتهما.
مفاخرتها نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإعجابها بنفسها
كان قد سبق لنا القول عن إعجاب زينب بنفسها، في الجمال والمال والحسب، وكان ذلك من أعراف الجاهلية والسبب المباشر في تأخر زواجها. ولقد كان من هموم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء الشخصية الإسلامية أن يقتلع من النفوس تلك الرواسب وينقيها، ويهذبها، ويهديها سواء السبيل. كما أننا عرفنا أن من أسباب تزويج زينب (رضي الله عنها) من زيد بن حارثة المولى، كسر حدة تلك الظاهرة لدى زينب، ولكنها خفت ولم تنته، وما اضطربت حياتها مع زيد (رضي الله عنه) إلا بسبب ذلك. ثم بعد زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجدت نفسها ضمن مجموع من لآلئ السمط الثمين، من أمهات المؤمنين (رضي الله عنهن)، ولا تعدو أن تكون واحدة منهن. لكن عامل الغيرة في الكيان الأنثوي يقبع إلى حين، فإذا ما تبدت الفرصة تحرك وأعلن عن نفسه. فيروى أنه جرت ذات يوم ملاحاة بينها وبين عائشة (رضي الله عنهما) التي كانت تغار منها غيرة شديدة، فقالت زينب: «إني والله ما أنا كأحد من نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنهن تزوجهن، وزوجهن الأولياء، وزوجني اللهُ رسولَه، وأنزل في الكتاب يقرأ به المسلمون، لا يبدل ولا يغير».


سلسلة أمهات المؤمنين زينب بنت جحش (رضي الله عنها)(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع