مدونة محمد تقي بن رحيم الدين


يومٌ في «مركز الدّعوة الإسلاميّة» بحثًا عن التراث (2)

محمد تقي بن رحيم الدين | Mohammad Taqi


24/02/2024 القراءات: 109  


(تتمّة الحلقة الأولى)
 
الدعاء ببعث المخطوطات!
ولا ييأس شيخُنا حتى من الكتب التي ضاعتْ فعلًا في الفتن والنكبات، وذلك إيمانا منه بالبعث! فإن الله قادرٌ على بعْث تلك المخطوطات الضائعة كما يشاء، ولا يتقيّد «البعث» في كل أفراده بالآخرة، ولعل الدعاء ببعث تلك المخطوطات لا يكون من باب «الدعاء بالمُحال» المنهيّ عنه؟
ومن هنا أملُ شيخنا بالله سبحانه كبير، في الوقوف على المخطوطات التي اشتدّت حاجة العلم وأهله إليها، فهو يدعو الله ببعث المخطوطات الضائعة، وإظهار المخطوطات المخبوءة، وخاصة مخطوطات الكتب الأصول ونُسخها ورواياتها، ومصادر المتون المتقدمة في المذهب.
 
مجالسة ومراجعة:
وكلما أُجالس الشيخ -يحفظه الله- ألمس بعض الفوائد العاجلة، فمجالستُه تُربّي الحلم والأناة، وتُرسّخ قِيم طلب العلم النادرة في هذه الأيام، من مثل التصبّر على شؤون العلم وعدم ابتغاء الوجبات السريعة، وعدم الاغترار بالنفس، والإنابة إلى الله المنّان لتيسير شؤون العلم خصوصا ولكل شأن عموما، هذا ما عدا التنبيهات والتوجيهات التي تجيء في عرض الحديث.
وعلى كلّ، أخذتُ مصوّرة «شرح الجامع الكبير» لأبي بكر الجصاص (370) رحمه الله من الشيخ، وهي مصوّرة نسخة دار الكتب المصرية -النسخة الفريدة للكتاب-، والنسخة نفيسةٌ وواضحة المعالم، انتهى نسْخُها سنة 560، وكان الشيخ صوّرها لنفسه زمن طلبه في كراتشي، وعلى النسخة آثار قراءات الشيخ فيها.
راجعتُ النسخة -ما أمكنني- إلى اللّيل، وأخذتُ بعض البيانات، وذلك لدراسةٍ كنتُ فيها ضمن مشروع «إحياء كتب ظاهر الرّواية» لدينا.
وفي الصباح لقيتُ الشيخ بالنّسخة وأعدتُها إليه، وكان من كَرَم الشيخ أنه فهم حاجتي إلى النّسخة، نظرًا لما أفدتُه من مشروعي، فقال بنفسه قبل أن أقول: إنه يُصوّرها لي كاملًا خلال ثلاثة أسابيع! مع أنه كان في غنية عن ذلك لأمور شتّى، وكان بإمكاني تصويرُ النسخة من مكان آخر ولكن بجهد، فهذه صورةٌ من كرم الشيخ وشفقته على طلبة العلم.
 
العودة:
وزائرُ مركز الدعوة يُسرّ جدًّا بما يراه من جُهد في الدراسة على غرار السّابقين، فالطلبة منكبّون على مكتبة المركز العامرة، وكلُّ شيء يتمّ وفقًا للمعايير العلميّة والعمليّة السامية التي يقرّرها المشايخ، فهذا المركز يضاهي أرقى المجامع العلمية المتخصّصة المعروفة بالمُدُن العلمية في العالم الإسلامي، رغم الضِّيق الظاهر في الهياكل والأدوات والموادّ.
خرجنا -أنا وصاحبي مولانا عبد العليم حفظه الله- من المركز في الصّباح الباكر عائدين، وبعد زيارة خاطفة لبعض المكتبات في الطريق وصلنا قرب المطار وهناك أدينا الجمعة، وبالقرب جدا ينعقد الاجتماعُ الدعوي العالمي الذي ينظمه جماعة التبليغ المباركة، هذا التحرّك الإيمانيّ الذي لا يعرف حزبًا ولا جماعة، ودخَلَ قلوبَ أهل التوحيد قاطبةً في ربوع العالم الإسلامي، تأسّفنا جدا على الحرمان من زيارة هذا الاجتماع الإيماني الحاشد البارز مع قرب المسافة، ولكنّ عُذْرنا الأثقال التي حملناها من الكتب والأجهزة... وركبنا الطائرة بعد العصر، ولله الحمد أولا وآخرا.
 
وكتبه:
محمد تقي بن رحيم الدين
19 جمادى الآخرة، 1444
(في الجوّ عائدا من داكا إلى شيتاغونغ)


تراث الحنفية، التراث المفقود، الجامع الكبير


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع