مدونة الدكتور محمد محمود كالو


القوة السحرية للكلمة (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


18/01/2024 القراءات: 144  


القوة السحرية للكلمة
الكلمة هي أقوى شيء في العالم، فخلق الكون كان بكلمة منه سبحانه وتعالى حين قال: كـن! فكان!
إن الكلمة لديها قوة وقدرة على التغيير الجذري في حياة الإنسان، فكم من أناس تحطموا تحت ثقل كلمة متهورة! وكم من امرئ كان محطماً ضائعاً أنقذته كلمة! وكم من شخص كان يعيش كالميت أحيتْه كلمة!
في بدْء الخليقة وسوس الشَّيطان لأبينا آدم عليه السلام وأمِّنا حواء بكلِمة، فكان الخروج من الجنة، وتابع إبليس نشاطه فوسوس لقابيل بكلمة، فقتل أخاه هابيل.
وبالمقابل كانت الكلِمات من بداية سورة طه سببًا في إسلام الفاروق عمر رضي الله عنه، وكانت كلمات مصعب بن عمير رضي الله عنه العذْبة سببًا في دخول نِصْف أهل المدينة المنوَّرة في دين الله الحقّ.
وكلمة من امرأة مسلِمة حرَّة حرَّكت جيشًا، وجعلت خليفةً يَحكم أرضًا لا تغيبُ عنْها الشَّمس لا يهدأ ولا ينام: “وامعتصماه!”، تسعة حروف تجعل من عمّورية قاعًا صفصفًا!
ومَن أصدق من الله قيلاً: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [سورة إبراهيم:24-26].
فلا بدَّ أن تكونَ الكلمة والعبارة التي يتكلم بها الداعية شائقةً، ليِّنة هيِّنة، مُحبَّبةً إلى النفس، وأن يبتعدَ عن العبارة السيئة والقولِ الجافِّ، والكلمة الغليظة؛ لأن الداعية يتعاملُ مع قلوب الناس، والقلوبُ حساسةٌ، تأتي بها كلمة، وتطردها كلمة أخرى، ولهذا يقول الله عز وجل وهو يأمر موسى وهارون بالذَّهاب إلى فرعون لإبلاغ الدعوة، والله يعلمُ أن الكلمةَ اللينة أو القاسية لا تُفيد فرعون، فهو كافرٌ؛ لكنه يُبيِّن منهج الدعوة، فيقول: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44].
وقد ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى مِن أسباب تأليفه لسفره العظيم (صحيح البخاري) أنه كان في حلقة إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى وأن إسحاق قال كلمة، محفزًا طلابه لجمع الحديث الصحيح: "لو أن أحدكم يجمع كتابًا فيما صحَّ مِن سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم".
كلمة قالها إسحاق فوقعتْ في نفس الإمام البخاري رحمه الله تعالى فشمَّر عن ساعد الجد، وواصل الليل بالنهار، وأصبح مشروع حياته؛ فصنف ذلك السفر والكتاب الذي انتشر في الآفاق، وصار أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى!
وهذا الإمام الشافعيُّ يقول: "كنتُ أول أمري مهتمًا بالشعر، فتمثلتُ بيتًا مِن الشعر عند كاتب مصعب الزبيري، فأخذ بيدي، وقال: أوتيتَ حظًا مِن الشعر يا شافعي، فأين أنت مِن الفقه؟ فوقع ذلك في قلبي!".
قوة هذه الكلمة أخذت الإمام الشافعيّ مِن طريق الشعر وألقته في طريق الفقه؛ فصار مِن كبار علماء المسلمين، وليس في قول الشعر حُرمة، إذ الشعر كلام، والأصل في الكلام الإباحة، والشعر كالنثر، حُرْمَتُه وحِلُّه في مضمونه، ولكن لدينا آلاف الشعراء، وليس لدينا إلا شافعي واحد!
كلمة واحدة لم تُغير واقع رجل فقط، وإنما غيرت واقع أمة كاملة! يكفي فيه قول إمام أهل السُّنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس!".


الكلمة اللينة، الكلمة القاسية، وامعتصماه، كن فيكون، قولاً ليناً،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع