مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


[الرفق]

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


02/05/2023 القراءات: 418  


[الرفق]
الرفق: الحديث عن الرفق جميل وطويل وهو في ذات الوقت ممتع. وفي تقديرنا أن حاجة الدعاة إليه من أهل العلم والفضل والقدوة ماسة للغاية، وبخاصة إذا انضم إليه ما سبق من حديث في الرحمة والتواضع.
ونستفتح في حديث الرفق بصفة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، التي رحم الله العباد بها فاصطفاه لها، يقول الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] نعم لقد أراد الله بفضله ورحمته أن يمنن على العالم برجل يمسح آلامه ويخفف أحزانه، ويستميت في هدايته ويناصر الضعيف، ويهذب القوي حتى يرده سويا سليم الفطرة لا يشقى ولا يطغى فأرسل محمدًا، صلى الله عليه وسلم، وسكب في قلبه من العلم والحلم، وفي خلقه من الِإحسان والبر، وفي طبعه من اللين والرفق، وفي يده من الكرم والندى، ما جعله أزكى عباد الله قلبًا وأوسعهم عطفًا
وأرحبهم صدرًا وألينهم عريكة.
هذا بعض نعت محمد، صلى الله عليه وسلم، المجتزأ من قول الحق تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]
وهذا إيراد من قبس النبوة في باب الرفق وبيان أثره لننطلق منه إلى ما يخصّ هذا المبحث.
يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه» رواه مسلم.
وقال مخاطبًا عائشة رضي الله عنها: «عليك بالرفق. . إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» .
يا أيها المُقتدى بهم: إن الناس في حاجة إلى كنف رفيق، وإلى رعاية حانية، وبشاشة سمحة، بحاجة إلى ودّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج إلى عطائهم، ويحمل همهم ولا يثقلهم بهمه، يجدون عنده الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والمودة والرضا.
وقد يحسن أن نخص الدعاة المقتدى بهم بخطاب عن الرفق
أخذًا من نهج السلف إذ أن هذا الميدان ونحن نعيش الصحوة الِإسلامية وأجواءها المباركة نحتاج فيه إلى مزيد عناية وفقه وترفق.
يقول عمر - رضي الله عنه- وهو على المنبر: " أيها الناس لا تُبَغِّضُوا الله إلى عباده فقيل كيف ذلك أصلحك الله؟ قال: يجلس أحدكم قاصا (1) فيقول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه، ويقوم أحدكم إمامًا فيطول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه ".
ويقول ابن عباس - رضي الله عنه عنهما-: "حدث الناس كل جمعة فإن أكثرت فمرتين فإن أكثرت فثلاث ولا تمل الناس من هذا القرآن، ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم وقال: أنصت. . فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه وإياك والسجع في الدعاء، فإني عهدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلونه ".
وكان ابن مسعود يُذكِّر كل خميس فقال رجل من القوم لوددت- يا أبا عبد الرحمن - لو أنك ذكرتنا كل يوم. فرد عليه
_________
(1) قاص: أي واعظ.
هذا الكنيف الذي قد مليء علمًا: " أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملَكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتخولنا بها مخافة السآمة علينا ".
يعلق على هذا الحافظ ابن حجر في الفتح مستنبطًا مستخلصًا بقوله: وفي هذا استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبة مطلوبة، لكنها على قسمين: إما كل يوم مع عدم التكلف، وإما يومًا بعد يوم فيكون الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط، وإما يوم الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والضابط الحاجة مع وجود النشاط.
والرفق ذو ميادين فسيحة ومجالات عريضة فرفق مع الجهال: إما جهل علم، أو جهل تحضر، ولقد رفق النبي، صلى الله عليه وسلم، بالأعرابي الذي بال في المسجد وتركه حتى فرغ من بوله وأمر أصحابه بالكف عنه وألا يقطعوا عليه بوله، فلما فرغ دعاه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن المساجد لم تبنَ لهذا وإنما هي لذكر الله والصلاة.
وجلفٌ أعرابي آخر جذب برداء النبي، صلى الله عليه
وسلم، جذبة شديدة وكان عليه برد نجراني غليظ الحاشية فأثر في صفحة عنق النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم «قال الأعرابي: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت نبي الرفق والرحمة ضاحكًا ثم أمر له بعطاء» . بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم، ما كهر ولا نهر ولا تبرم ولا ضجر.
ومن الذين يخصون بمزيد من الترفق المتبدئون في الإِسلام والعلم وطريق الاهتداء. والغفلة في هذا الجانب قد تؤدي إلى فتنة وانعكاس في المقصود. وقد قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن: «بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا»
يقول ابن حجر: " والمراد تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليُقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدرج، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلًا حُبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده ".
وينبغي أن يتمثل القدوة في هذا الباب الرفق بمجالسيه فيتحمل من كان منهم ذا فهم بطيء، ويسع بحلمه جفاء ذي الجهالة، لا يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجره
فيضع من قدره.
وأخَيرَا فالرفق ليس حقًا مقصورًا على بني الِإنسان بل هو حق محفوظ لكل ذي كبد رطبة يجسد ذلك في أدقّ صوره بل أغلظ ما يتصور من حالات حين يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله كتبَ الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فَأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدُكم شفرته وليرح ذبيحته» .
وأي رفق بعد هذا الرفق في حالة إزهاق الروح وفصل الرأس عن الجسد، ولنختم هذا بهذا الدعاء النبوي: «اللهم من ولِي من أمر أمتي أمرا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئَا فشقّ عليهم فاشقق عليه» .


[الرفق]


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع