مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


صلاة الفاتحين.. سُنَّةٌ متوقفة منذ ثلاثمائة عام

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


11/02/2025 القراءات: 4  


صلاة الفاتحين.. سُنَّةٌ متوقفة منذ ثلاثمائة عام

صلاة الفتح هي الصلاة التي تُؤدَّى بعد فتح الأمصار والبلدان وتخليصها من حكم الظلمة والكفَّار، وكذلك بعد تحقيق الإنجازات العسكرية في ميادين القتال، فهي صلاة مشروعة.
وصلاة الفتح صلاةٌ صلَّاها النبي عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة في بيت ابنة عمه أم هانئ بنت أبي طالب، ثم أصبحت سُنَّة، فكلما فتح المسلمون بلدًا صلوا صلاة الفتح فيها، كما أنها تُسمَّى أيضًا صلاة الشُّكر، فكانت شكرًا من الرسول صلى الله عليه وسلم لله تعالى في يوم فتح مكة، وتعظيمًا لنعمته سبحانه وتعالى بأن تمَّ له هذا الفتح المبين، فقد دخل خاضعًا لله تعالى ومتذلِّلًا له حانيًا رأسه، واغتسل وصلَّى صلاة الفتح.
وقد ذكر السُّهيلي في الروض الأُنُف بأن: "صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم هانئ وهي ‌صلاة ‌الفتح تُعرَف بذلك عند أهل العلم، وكان الأمراء يصلونها إذا افتتحوا بلدًا".
وقال الطبري رحمه الله تعالى في تاريخه: "صلَّى سعد بن أبي وقَّاص، حين افتتح المدائن، ودخل إيوان كسرى، قال: فصلى فيه ‌صلاة ‌الفتح. قال: وهي ثماني ركعات لا يفصل بينها، ولا تُصلَّى بإمام".
فبيَّن الطبري سُنيَّة هذه الصلاة وصفتها، ومن سنتها ألَّا يُجهر فيها بالقراءة.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم: "وتأوَّلوا حديث أم هانئ بأنها صلاة الفتح، وأنها من السُّنن ثماني ركعات، وقد صلَّاها خالد بن الوليد رضي الله عنه.
خالد بن الوليد صلَّى صلاة الفتح:
وذكر الطبري في تاريخه عن الشعبي، قال: لما فتح خالد رضي الله عنه الحيرة صلَّى ‌صلاة ‌الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن، ثم انصرف، وقال: لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف، وما لقيت قومًا كقوم لقيتهم من أهل فارس، وما لقيت من أهل فارس قومًا كأهل أُلَّيْس!
وذكر أيضاً أنه لما دخل سعد المدائن فرأى خلوتها، وانتهى إلى إيوان كسرى، أقبل يقرأ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: 25 – 28]، وصلى فيه ‌صلاة ‌الفتح، ولا تُصلى جماعة، فصلى ثماني ركعات لا يفصل بينهن، واتخذه مسجدًا، وفيه تماثيل الجص رجال وخيل، ولم يمتنع ولا المسلمون لذلك، وتركوها على حالها.
وتُصلى صلاة الفتح سرًّا؛ لا جهرًا. وتُصلى ثماني ركعات متتابعة؛ لا يُفصل بينها بحيث تُصلى دفعة واحدة.
لا يُشرع فيها الأذان ولا الإقامة. ويُسنُّ فيها قراءة الفاتحة وسورة قصيرة في كل ركعة، ولا يُسنُّ فيها قراءة سورة معينة، ويُسنُّ الاغتسال لها كما في صحيح البخاري، وتصلى فرادى في أي مكان كان.
وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنًا أو بلدًا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد ورد عن عدد من المفسرين أنَّ مشروعية صلاة الفتح دلَّ عليها ما ذُكر في سورة النصر؛ حيث جاء فيها قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر].
ولذلك دوام الصحابة رضوان الله عليهم على صلاة الفتح تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد صلَّى خالد بن الوليد صلاة الفتح يوم فتح الحيرة، وصلَّاها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يوم افتتح المدائن، ودخل إيوان كسرى" [التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ابن الملقن، 9/ 191].
وقال ابن كثير، رحمه الله، في ذكر فتح المدائن: "ثم تقدم- يعني سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه- إلى صدره- يعني إيوان كسرى- فصلى ثماني ركعات، صلاة الفتح"؛ ينظر: البداية والنهاية 7/ 67، طبعة دار الكتب العلمية.
ووقت صلاة الفتح هو نفس وقت صلاة الضحى، كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ظَنَّها بعضهم أنها صلاة الضحى؛ وإنما هذه صلاة الفتح، وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنًا أو بلدًا صلوا عقيب الفتح، هذه الصلاة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن صلَّاها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سعد بن أبي وقاص بعد فتح القادسية، وأبو عبيدة بن الجراح بعد معركة اليرموك، والفاروق عمر بن الخطاب بعد فتح القدس، وعمرو بن العاص بعد فتح الإسكندرية، ومحمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية (إسطنبول)، وغيرهم من الفاتحين.
فكانت هذه الصلاة من يصليها هو القائد الفاتح فقط، وليس جميع المسلمين.
وقال بعض الصَّحابة: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا فُتحت المدائن بالحمد والشكر لله تعالى والتسبيح، والتهليل، والاستغفار، والصلاة.
وقد أفتى علماء المسلمين باستحباب صلاة الفتح عند فتح المدن والأمصار.
ومشروعية ثبوتها أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام صلَّاها في فتح مكة.
من فوائد صلاة الفتح:
1- شكر الله تعالى على النصر والفتح.
2- التقرب إلى الله تعالى.
3- التعبير عن الفرح والسعادة بالنصر.
4- التذكير بنعم الله تعالى.
هذه هي صلاة الفتح التي أداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يصلها المسلمون منذ ثلاثة قرون، لأن الفتوحات الإسلامية قد توقفت قبل ثلاثمائة سنة، وكانت النمسا آخر الفتوحات الإسلامية، ولم يتم إقامة هذه الصلاة بعد ذلك.
واليوم سنحيي هذه السنة المباركة بمناسبة سقوط النظام السوري وفرار بشار الأسد من دمشق 08/12/2024م.
الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه..
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
الحمد لله الذي تفضل علينا بالنصر والتمكين..


صلاة الفاتحين، صلاة الفتح، سُنَّةٌ متوقفة، صلاها خالد، ثماني ركعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع