مدونة محمد تقي بن رحيم الدين


يومٌ في «مركز الدّعوة الإسلاميّة» بحثًا عن التراث (1)

محمد تقي بن رحيم الدين | Mohammad Taqi


24/02/2024 القراءات: 123  


(مذكّرة دوّنتُها عائدًا من داكا إلى شيتاغونغ، ومرّتْ عليّ اليوم واستحسنتُ نشرَها -بدون تعديل- لما فيها من فوائد، ثم حصل أسفارٌ عديدة بإذن الله، وأرجو الله سبحانه التوفيقَ في نشر فوائدِها، والبركةَ في النية والعمل والوقت.)
قمتُ بزيارة مختصرة جدّا لداكا -العاصمة- في الثامن عشر من الشهر الجاري: جمادى الآخرة (1444)، وذلك للتشرّف بلقاء شيخنا العلامة الشيخ محمد عبد المالك حفظه الله، ومراجعة مصوّرة «شرح الجامع الكبير» للإمام أبي بكر الجصّاص -رحمه الله- التي لديه.
والناس يغدون ويروحون بين شيتاغونغ وداكا كل صباح ومساء لمصلحة دنياهم، ولكنه الكسلُ الذي ترسّخ فينا تجاه طلبِ العلم: أننا لا نُوفّق لزيارة المشايخ إلا نادرًا واضطرارًا.
رحلنا ليلًا وصلّينا الفجر في داكا، ووصلْنا -بعد ساعة- مركز الدعوة الإسلامية: مقرَّ شيخنا ومجمعَه العلميّ ومركزه لتخريج العلماء المتخصّصين في علم النقد الحديثيّ خصوصًا وعلوم الشريعة والدعوة المختلفة عمومًا.
وكنت حاملًا بعضَ هدايا الكتب، التي وصلتْني بمناسبات مختلفة من مشايخي العرب وغيرهم للإيصال إلى الشيخ حفظه الله... سُرّ الشيخ بالهدايا وشكر مُهديها وحاملَها، وطلب مني بعض الأرقام لتأدية شكر المُهدي مباشرةً، والشيخ يختصرُ الكلام ويصلُ إلى مقصد المخاطَب بسهولة، فقيّض بعض الإخوان لإخراج نسخة «شرح الجامع الكبير» التي جئتُ أنشدُها، فأخرجوها لي متعجّلين، وانجرّ الحديثُ إلى شروح «الجامع الكبير» المختلفة، كما انجرّ إلى تراث فقهاء الأحناف بالمناسبة، وأخبرتُ شيخنا بالأعمال المتواضعة التي أشتغل بها أو أخطّط لها، ليتفضّل بالإرشاد والتوجيه والتّسديد.
 
كتب طال الأسفُ على فقدانها وينبغي السعيُ في تتبّعها:
بالمناسبة ذكر الشيخ أسامي بعض الكتب لمشايخ المذهب المتقدمين، وذلك حضًّا على تتبّعها في المكتبات والسعي في إخراجها من عداد «المفقود» إلى ساحة «الموجود» بإذن الله سبحانه، منها -على سبيل المثال-:
«مبسوط» أبي عاصم العامري المروزي (415) وكتبه الأخرى.
وكتب شمس الأئمة الحلواني (458): اختياراته وشروحه وفتاواه وأماليه.
وكتب الإمام أبي بكر خواهر زاده (483).
و«مختصر» عصام بن يوسف البلخي (215).
و«شرح مختصر الكرخي» للجصّاص (370).
و«الشامل» لأبي القاسم البيهقي (402) وكتبه الأخرى.
و«الموجز» لحبيب بن عمر الفرغاني (576).
و«مختصر» أبي موسى ‌الضَّرير ومصنفاته الأخرى.
وكتب ظهير الدين المرغيناني (506) المعروفة.
و«المفيد والمزيد» لتاج الدين الكردري (552 أو 562).
و«فتاوى» نجم الدين النسفي (537).
و«خلاصة» أبي المحامد عماد الدين (607).
و«فوائد» أبي الحسن الرُّسْتُغْفَني (345) وكتبه الأخرى.
رحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عنا خير الجزاء.
(من المصادر المذكورة هنا ما يوجد لها نُسخ ناقصة أو نُسخ غير وافية بالحاجة، ومنها ما وجدتُ لها نُسخًا صالحة بعد اللقاء.)
وهذه نماذج من المصادر التي لها أثرٌ كبير في دواوين المذهب، فهي ممتلئة بالنقول عنها، ولا يخفى الحاجة إلى مراجعة مصادر النقول، وخاصة في باب الأحكام والحلال والحرام، فلهذه المصادر أثرُها الفعليّ المُباشر في الفتاوي، بصرْف النظر عن قيمتها الفقهية البارزة الظاهرة لكل أحد.
واحتمالُ تواجد هذه الكتب على مراتب قربًا وبعدًا، فمن الكتب ما ورد النقلُ عنها في الكتب المتأخرة، فاحتمال الوقوف عليها كبير، مثلا كتاب (الطريقة) و(منتخب الطريقة) المنسوبان إلى الإمام خواهر زاده، وجد شيخُنا الإحالة إليهما في كتاب متأخر، وكذلك الحال فيما يخصّ «شرح مختصر الكرخي» للجصاص. وأرشدني الشيخ إلى أن الكتاب الذي نجد إحالته في كتاب يعود إلى ما بعد منتصف القرن السابع، يقوى الظن بأنه موجود، حيث لم يضع في فتنة التتار وغيرها، بخلاف بعض المصادر التي امتلأ كتبُ المذهب بالنقول عنها ولكن لم يوجد خبرٌ عن تواجدها لدى مؤلّف متأخر عن القرن السابع.
والحكمُ على الكتب بالفقْد لا يعني أنها ضاعتْ للأبد، فكم من كتاب مهمّ في بابه اكتُشف بعد أن كان مغمورًا مجهولا موقعُه مدةً من الزمن! فالسعْي في تتبّع أهم الكتب التراثية -بالعقل والذوق- واجب الباحث المتخصّص، وخاصة إذا كان احتمال تواجدها كبيرا، وليكن رائده حسنُ الظنّ بالله وصدق التوكّل عليه.
وبخصوص الفقه الحنفي، فإن هذا التتبّع ينبغي أن يشمل أصول المتقدمين ونُسخَها ورواياتها وشروحَها المتقدّمة، والمذكور هنا نماذجُ معدودة من المصادر القريبة فقط ولا تشملُ أنواع كتب السابقين، ففي كلِّ ذلك فليتنافس المتنافسون.
(يُتابع الحلقة المُتمّمة في منشور آخر)


تراث الحنفية، التراث المفقود، الجامع الكبير


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع