مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين سودة بنت زمعة (رضي الله عنها)(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


19/04/2023 القراءات: 297  


أم المؤمنين
ثم كانت البشرى السعيدة التي أثلجت قلبها، وعزتها في حزنها على مصابها، وأزاحت عن صدرها كابوس المحنة…، بشرى خطبتها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فقد أرسل إليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: مري رجلاً من قومك يزوجك. فأمرت حاطب بن عمرو فزوجها. فكانت أول امرأة تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد خديجة (رضي الله عنها). وكان ذلك في شهر رمضان سنة عشر من البعثة النبوية الشريفة. وبهذا الزواج المبارك، أصبحت سودة بنت زمعة أماً للمؤمنين بعد خديجة وكانت (رضي الله عنها) تقوم خير قيام على رعاية بيت النبوة، من خدمة وحدب على الفتيات الطاهرات اللواتي فجعن بالسيدة العظيمة خديجة بنت خويلد، وهن في سن مبكرة أم كثلوم وفاطمة. فقد كانت زينب (رضي الله عنها) متزوجة من ابن خالتها أبو العاص ابن الربيع ورقية (رضي الله عنها) من عثمان بن عفان (رضي الله عنه).
وكذلك قدرت سودة وجودها الجديد واختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) لها، فأكبرت ذلك واعتبرته تكريماً عظيماً، فاحترمت الإرادة النبوية السامية، وأجلتها، وأنزلتها من نفسها وقلبها أسمى مقام وأرفعه.
يومي لعائشة إذاً
قامت سودة (رضي الله عنها) على شؤون بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قياماً حسناً طيباً وأدت ما عليها من واجب تجاه النبي العظيم وهي تحاول جهدها أن تحظى برضاه وعطفه وحبه..! ثم جرت الأقدار بما دبرت من العلي الحكيم.. إذ جاء جبريل عليه السلام ذات ليلة يحمل قطعة من حرير عليها صورة فتاة صغيرة السن ليخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن صاحبتها هي زوجته المنتظرة ورفيقته في الآخرة. وتكررت الزيارة في ليال ثلاث متواليات. وكانت الصورة لعائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. ثم بعد الهجرة إلى المدينة تم الزواج، ودخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعائشة.
أما سودة بنت زمعة (رضي الله عنها) فكانت من المهاجرات إلى المدينة المرافقة لرسول (صلى الله عليه وسلم) الدائمة المواظبة على رضاه وحبه.. ولقد أدركت (رضي الله عنها) شغف النبي (صلى الله عليه وسلم) بعائشة وإيثاره لها، فكانت تشعر بشيء، لكنها كانت في الوقت نفسه حريصة على استمرارية بقائها زوجة للنبي الكريم، وأماً للمؤمنين.
تحدثنا السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن ذلك فتقول: كانت سودة بن زمعة قد أسنت، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يستكثر منها، وقد علمت مكاني من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنه يستكثر مني، فخافت أن يفارقها، ورضيت بمكانها عنده فقالت: يا رسول الله، يومي الذي يصيبني لعائشة وأنت من حل، فقبله النبي (صلى الله عليه وسلم).
خفيفة الروح والظل
كانت سودة (رضي الله عنها) فيها دعابة وتحب الضحك، وروي أنها قالت ذات يوم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): صليت خلفك البارحة، فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن تقطر الدم… فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وكثيراً ما كانت تضحكه بالقول والفعل. فقد كانت (رضي الله عنها) خفيفة الروح والظل، صاحبة فكاهة ومزاح صادق، لا ثقيلة تُشعر بالملل، ولا تفتعل الحركة أو تصطنع الكلمة.
المتصدقة، الكريمة، السخية:
روت عائشة (رضي الله عنها) قالت: اجتمع أزواج النبي ذات يوم فقلن: يا رسول الله، أينا أسرع لحاقاً بك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أطولكن ذراعاً. قالت عائشة: وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكانت سودة بنت زمعة أسرعنا به لحاقاً، فعرفنا بعد ذلك أنما كان طول يدها الصدقة.
ولقد قسم لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم خيبر من الفيء كما قسم لكل أزواجه، فنالها من التمر ثمانين وسقاً ومن القمح عشرين. ولكنها (رضي الله عنها) لم تدخر ذلك.. ولم تخزنه.. ولم تجمعه في بيتها، بل فرقته على من يحتاجه قبل وصولها إلى حجرتها.
وروى محمد بن عمر أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أرسل إلى سودة زمن خلافته، كما كان يفعل مع باقي أمهات المؤمنين، غرارة من دراهم فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم من أمير المؤمنين.. قالت: في الغرارة مثل التمر! ثم نادت على جارية لها، وطلبت أن توزع ما في الغرارة على المحتاجين والمساكين، ودعت ربها سبحانه وتعالى أن يثبتها على القناعة والاكتفاء.
الوفية بالعهد عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: حجّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنسائه عام حجة الوداع، وكان كل نسائه يحججن بعده إلا سودة بنت زمعة وزينب ابنة جحش قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وروي عن سودة قولها: حججت واعتمرت، فأنا أقر في بيتي كما أمرني الله عز وجل.
الوفاة
هناك اختلاف في تاريخ وفاتها (رضي الله عنها)، فمن المؤرخين من يقول إنها كانت أول نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) لحاقاً به، حسب رواية عائشة (رضي الله عنها)، وقد توفاها الله تعالى في العام الرابع والخمسين من الهجرة، زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان والله أعلم.
رضي الله عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة المسلمة المهاجرة والمؤمنة الصادقة المتصدقة والوفية المحبة. وأنزلها من لدنه تعالى منازل الأبرار الصالحين، في جنات النعيم، وألحقنا بها في الطائعين التائبين من عباده، إنه أكرم مأمول وخير مسؤول وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


سلسلة أمهات المؤمنين سودة بنت زمعة (رضي الله عنها)(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع