مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
[فصل حكم هجر أهل المعاصي]
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
31/05/2023 القراءات: 454
[فصل حكم هجر أهل المعاصي]
يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية قال أحمد في رواية حنبل: إذا علم أنه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع، وإلا كيف يتبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا ولا جفوة من صديق؟ ونقل المروذي: يكون في سقف البيت الذهب يجانب صاحبه؟ يجفى صاحبه وقد اشتهرت الرواية عنه في هجره من أجاب في المحنة إلى أن مات، وقيل: يجب أن ارتدع به وإلا كان مستحبا، وقيل: يجب هجره مطلقا إلا من السلام بعد ثلاثة أيام وقيل: ترك السلام على من جهر بالمعاصي حتى يتوب منها فرض كفاية، ويكره لبقية الناس تركه، وظاهر ما نقل عن أحمد ترك الكلام والسلام مطلقا.
قال أحمد في رواية الفضل وقيل له: ينبغي لأحد أن لا يكلم أحدا؟ فقال: نعم إذا عرفت من أحد نفاقا فلا تكلمه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاف على الثلاثة الذين خلفوا فأمر الناس أن لا يكلموهم قلت: يا أبا عبد الله كيف يصنع بأهل الأهواء قال أما الجهمية والرافضة فلا، قيل له: فالمرجئة قال: هؤلاء أسهل إلا المخاصم منهم فلا تكلمه، ونقل الميموني نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كلام الثلاثة الذين تخلفوا بالمدينة حين خاف عليهم النفاق، وهكذا كل من خفنا عليه.
وقال في رواية القاسم بن محمد أنه اتهمهم بالنفاق، وكذا من اتهم بالكفر لا بأس أن يترك كلامه.
قال القاضي وقد أخذ أحمد - رضي الله عنه - بحديث عائشة - رضي الله عنها -
في قصة الإفك في رواية مثنى الأنباري، وقد سأله أكثر ما يعرف في المجانبة فذكر حديث عائشة - رضي الله عنها - في ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - كلامها، والسلام عليها حين ذكر ما ذكر كذا حكاه، ولم أجد في قصة الإفك هذا بل كان قبل أن يأذن لها أن تذهب إلى بيت أبيها إذا دخل عليها يسلم ثم يقول: " كيف تيكم؟ " ففي هذا ترك اللطف فقط، وأما قصة كعب ففيها ترك السلام والكلام، ولهذا كان يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فأقول: هل حرك شفتيه؟ وإنه سلم على أبي قتادة فلم يرد عليه وحمله جماعة ممن شرحه على ظاهره في هجر أهل البدع والمعاصي بترك الكلام، والسلام بخوف المعصية.
وفي رواية مثنى المذكورة والتي قبلها إباحة الهجر وترك الكلام والسلام بخوف المعصية، ورواية الميموني تدل على وجوبه وكلام الأصحاب صريحة في النشوز على تحريمه.
وأما ما رواه مسلم بعد قصة الإفك عن أنس «أن رجلا كان يتهم بأم ولده فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر عليا أن يذهب فيضرب عنقه فذهب فوجده يغتسل في ركي وهي البئر فرآه مجبوبا فتركه» فلعل معناه: اذهب فاضرب عنقه إن ثبت ذلك عليه، وحذف للعلم به.
وفي شرح مسلم قيل: لعله مستحق القتل بغير الزنا وحركة الزنا، وكف عنه علي اعتمادا على أن القتل بالزنا، وقد علم انتفاء الزنا.
قال القاضي: وذكر الآجري في هجرة أهل البدع والأهواء قصة حاطب بن أبي بلتعة وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بهجره، ثم تاب الله عز وجل عليه كذا ذكره القاضي عن رواية الآجري، ولم أجد هذا في قصة حاطب بل فيها في صحيح البخاري «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صدق ولا تقولوا له إلا خيرا فقال عمر - رضي الله عنه -: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني أضرب عنقه فقال: يا عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل
بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم» ، وفي بعض طرقه " فقد غفرت لكم " كرواية مسلم وفي بعض طرقه أيضا أن عمر سأله في قتله مرتين.
قال القاضي وروى الآجري عن أبي هريرة مرفوعا: «لكل أمة مجوس وإن مجوس هذه الأمة القدرية فلا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا» .
قال القاضي هذا مبالغة في الهجر. وقد روى أبو داود من حديث رجل من الأنصار عن حذيفة مرفوعا معناه، وروي أيضا عن ابن عمر مرفوعا معناه وليس فيه " لكل أمة مجوس "، وروي أيضا من رواية ربيعة الجرشي عن أبي هريرة عن ابن عمر مرفوعا «لا تجالسوا أهل القدر ولا تناكحوهم» رواه أحمد وإسناده جيد وفيه حكيم بن شريك الهذلي تفرد عنه عطاء بن دينار ووثقه ابن حبان.
قال القاضي: وروى الخلال عن ابن مسعود أنه رأى رجلا يضحك في جنازة. فقال: أتضحك مع الجنازة؟ لا أكلمك أبدا. وبإسناده عن الحسن قال: كان لأنس بن مالك امرأة في خلقها سوء، فكان يهجرها السنة والأشهر، فتتعلق بثوبه فتقول: أنشدك بالله يا ابن مالك أنشدك بالله يا ابن مالك فما يكلمها. وبإسناده عن أنس وقيل له: إن قوما يكذبون بالشفاعة وقوما يكذبون بعذاب القبر، قال: لا تجالسوهم وبإسناده عن حذيفة أنه قال لرجل جعل في عضده خيطا من الحمى: لو مت وهذا عليك لم أصل عليك، وبإسناده عن الحسن قال قيل لسمرة: إن ابنك أكل طعاما حتى كاد أن يقتله، قال: لو مات ما صليت عليه، وبإسناده أن عمر كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوا صبيغا.
وبإسناده عن مجاهد قلت لابن عباس: إن أتيتك برجل يتكلم في القدر؟ فقال: لو أتيتني به لأوجعت رأسك، ثم قال: لا تكلمهم ولا تجالسهم.
وقال سعيد بن جبير لأيوب: لا تجالس
طلق بن حبيب فإنه مرجئ، وقال إبراهيم لرجل تكلم عنده في الإرجاء: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا.
وقال محمد بن كعب القرظي: لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم، وكان حماد بن سلمة إذا جلس يقول: من كان قدريا فليقم، وعن طاوس وأيوب، وسليمان التيمي أبي السوار ويونس بن عبيد وغيرهم معنى ذلك، قال القاضي هو إجماع الصحابة والتابعين.
وقال ولأن كل معصية حل بها الهجر لم تتقدر بالثلاث، أو نقول جاز أن يزيد على الثلاث دليله هجر الزوج لزوجته عند إظهار النشوز بقوله تعالى: {واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34] .
قال وإنما لم يهجر أهل الذمة لأنا عقدناها معهم لمصلحتنا بأخذ الجزية، فلو قلنا: يهجرون زال المعنى المقصود.
وأما أهل الحرب ففي الامتناع من كلامهم ضرر؛ لأنه يؤدي إلى ترك مبايعتهم وشرائهم،
[فصل حكم هجر أهل المعاصي]
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع