مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


التواضع متوسط بيْن الْكبْر والضعة

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


01/12/2022 القراءات: 533  


✍️في التواضع
التواضع يقابل الْكبْر وهو انْكسار الْقلْب لله وخفْض جناح الذل والرحْمة للْخلْق وقيل : هو رضا الإنْسان بمنْزلة دون ما يسْتحقه فضْله ومنْزلته وفضيلته لا تكاد تظْهر في أكْثر الناس وإنما يتبين ذلك في أجلاء الناس وعلمائهم الْعاملين بعلْمهمْ وهذا كان في علماء السلف كثير أما الْيوْم فهو نادر وهو منْ باب التفضل لأن الْمتواضع يتْرك بعْض حقه والتواضع متوسط بيْن الْكبْر والضعة .
والضعة وضْع الإنْسان نفْسه في منْزلة تزْري به منْ الدناءة والْخسة وابْتذال النفْس في سبيل شهواتها الْفاسدة فتجد الْوضيع يقف في الْمواقف التي تزْري به منْ أجْل الْحصول على وظيفة أوْ مال أوْ جاه أوْ امْرأة أوْ نحْو ذلك فلا يبالي أنْ يذل لمنْ دونه أوْ يتملق لمنْ يهينه أوْ يقف على باب منْ يسْتثْقله ويظْهر الاشْمئْزاز منْه وهو لا يبالي بالإلْحاح عليْه والْوقوف بيْن يديْه ذليلا خاضعا ولا شك أن هذا صفة ذميمة .
ومنْشأ التواضع منْ معْرفة الإنْسان قدْر عظمة ربه ومعْرفته قدْر نفْسه لأن منْ يدْرك أنه شخْص ضعيف فان وأن كل صفة منْ صفاته الْموجبة للرفْعة والْكبْر في هذه الْحياة لا ثبات لها بلْ هي أعْراض زائلة ويدْرك أن ربه هو الْخالق الْعظيم الْمتفرد بالْبقاء والْكبْرياء ، فهذا لا يتمرد على خالقه باقْتراف الْجرائم والآثام وعنْد ذلك يعامل الناس معاملة حسنة بلطْف ورحْمة ورفْق ولين جانب ولا يتكبر على أحد ولا يزْهو على مخْلوق ولا يبالي بمظاهر الْعظمة الْكاذبة ولا يترفع عنْ مجالسة الْفقراء والْمشْي معهمْ وإجابة دعوتهمْ ومخاطبتهمْ بالْكلام اللين ولا يأْنف منْ اسْتماع نصيحة منْ هو دونه .
وقال الْفضيْل بن عياض : التواضع أنْ تخْضع للْحق وتنْقاد له ولوْ سمعْته منْ صبي قبلْته منْه ولوْ سمعْته منْ أجْهل الناس قبلْته وللتواضع فوائد ومنافع تعود على الأفْراد والْجماعات بالْخيْر الْكثير فإن الْمتواضع قريب إلى الناس محبب إلى نفوسهمْ ضد الْمتكبر فإنه بغيض إليْهمْ ثقيل عنْدهمْ وكلما دنا الْمتواضع من الناس ارْتفعتْ منْزلته عنْدهمْ وعظم في عيونهمْ وثقل ميزانه عنْدهمْ واسْتفاد منْهمْ وأفادهمْ .
وكلما كان الْمتواضع عظيما ذا مكانة رفيعة كان التواضع منْه أكْبر أثرا وأكْثر فائدة لأن الأشْياء تعْظم بنسْبة منْ تسْتند إليْه كما قيل :


على قدْر أهْل الْعزْم تأْتي الْعزائم وتأْتي على قدْر الْكرام الْمكارم

وتعْظم في عيْن الصغير صغارها وتصْغر في عيْن الْعظيم الْعظائم

وإذا كان الْمتواضع عالما بالتواضع يزْداد علْما لأنه لا يسْتنْكف عنْ أخْذ الْفائدة ممنْ هو دونه ولهذا قيل : تعلموا قبْل أنْ تسودوا ولا يأْبى الْعالم الْمتواضع أنْ ينْقل الْحق عنْ أي مخْلوق .
وقدْ تتلْمذ الشيْخ تقي الدين على بن عبْد الْقوي ناظم عقْد الْفرائد ونظم ابْن عبْد الْقوي بعْض اخْتيارات الشيْخ تقي الدين فعنْدما ذكر مسافة الْقصْر قال :
وعنْد إمام الْعصْر لا حجة لهمْ على ذا ولكنْ باسْمه فلْيحدد

وعنْدما ذكر قتال أهْل الْبغْي قال : ويكْره شيْخ الْعصْر أنْ يقْصد الْفتى بغاة ذوي الأرْحام لا ذو المجرد

عنْدما ذكر منْ لها عادة من النساء وتغيرتْ قال :
وعنْد إمام الْوقْت تجْلس مطْلقا لظاهر ما يرْوى بغيْر تقيد

فلله دره من متواضع . عكس ما عليه كثير من حاملي الشهادات الحالية دكتوراه وماجستير وبكالوريوس ودبلوم ونحوها نسأل الله الكريم أن يعافيهم ولا يبلانا فيما بلوا به من الكبر والعجْب والْجهْل .
قيل لبزْر جمْهر : ما النعْمة التي لا يحْسد عليْها صاحبها ؟ قال : التواضع . قيل له : فما الْبلاء الذي لا يرْحم عليْه صاحبه ؟ قال الْعجْب . وقال : التواضع مع السخافة والْبخْل أحْمد من الْكبْر مع السخاء والآداب فأعْظمْ بحسنة عفتْ عنْ سيئتيْن وأقْبح بعيْب أفْسد منْ صاحبه حسنتيْن ولقدْ أحْسن الْقائل :


وأحْسن مقْرونيْن في عيْن ناظر جلالة قدْر في خمول تواضع

آخر: ليْس الْخمول بعار على امْرئ ذي جلال

فليْلة الْقدْر تخْفى وتلْك خيْر الليال

آخر: إن التواضع منْ خصال الْمتقي وبه التقي إلى الْمعالي يرْتقي ومن الْعجائب عجْب منْ هو جاهل في حاله أهو السعيد أمْ الشقي

أمْ كيْف يخْتم عمْره أوْ روحه يوْم النوى متسفل أوْ مرْتقي

والْكبْرياء لربنا صفة له مخْصوصة فتجنبها واتقي

وقال بعْض الْحكماء : منْ برئ منْ ثلاث نال ثلاثا منْ برئ من السرفْ نال الْعز ومنْ برئ من الْبخْل نال الشرف ومنْ برئ من الْكبْر نال كرامة التواضع . وقال مصْعب بن الزبيْر : التواضع مصائد الشرف . وقيل في منْثور الْحكم منْ دام تواضعه كثر صديقه .
أما الْمتكبر فهو كالْمغْرور فإنه كثيرا ما تفوته الْحقائق الْعلْمية لأنه تأْبى عليْه نفْسه أنْ يأْخذ الْحق حيْث وجده ولهذا قيل ضاع الْعلْم بيْن الْحياء والْكبْر ثم إنْ كان الْمتواضع تلْميذا يجد لطْفا وعطْفا من الأسْتاذ فلا يبْخل عليْه بمجْهوده ولا يشح عليْه بفائدة لأن التواضع يسْتلْزم الأدب .


التواضع متوسط بيْن الْكبْر والضعة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع