مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


قصة عبد الله بن حذافة السهمي مع ملك الفرس

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


19/01/2023 القراءات: 2560  


قصة عبد الله بن حذافة السهمي مع ملك الفرس مشهورة وذلك أنه في السنة السادسة من الهجرة حين عزم النبي  أن يبعث بعض أصحابه بكتب إلى ملوك الأعاجم يدعوهم إلى الإسلام .
ولقد كان  يقدر خطورة هذه المهمة فهؤلاء الرسل سيذهبون إلى بلاد نائية لا عهد لهم بها من قبل ، يجهلون لغاتهم ولا يعرفون شيئا عن أخلاق ملوكهم ، ثم إنهم سيدعون هؤلاء إلى ترك ما عليه آباؤهم والدخول في دين الإسلام الذي هو ضد ما هم عليه من الإلحاد والكفر .
إنها رحلة خطيرة الذاهب إليها مفقود ، والعائد منها مولود ، لذلك جمع المصطفى  أصحابه وقام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ثم

قال : أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم ، فلا تختلفوا علي ، كما اختلفت بنوا إسرائيل على عيسى بن مريم .
فقال أصحاب رسول الله  : نحن يا رسول الله نؤدي عنك ما تريد ، فابعثنا حيث شئت ، انتدب  ستة من الصحابة ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم ، وكان أحد هؤلاء الستة عبد الله بن حذافة السهمي ، اختاره لحمل رسالته إلى كسرى ملك الفرس .
فجهز عبد الله راحلته وودع أهله وولده ، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد وتحطه الوهاد ، حتى ديار فارس ، فاستأذن بالدخول على ملكها ، وأخطر أعوان الملك بالرسالة التي يحملها بأنها ذات اهتمام .
عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزين ، ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه ، فحضروا ، ثم أذن لعبد الله بن حذافة بالدخول ، فدخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس ، مشتملا شملته ، مرتديا عباءته الصفيقة ، عليه بساطة الأعراب .
لكنه عالي الهمة ، مشدود القامة ، تأجج بين جوانحه عزة الإسلام فلما رآه كسرى مقبلا أشار
إلى أحد رجاله بأن يأخذ منه الكتاب .
فقال : لا ، إنما أمرني رسول الله  أن أدفعه لك يدا بيد لا أخالف أمر رسول الله  فقال كسرى لرجاله : اتركوه يدنو مني ، فدنا من كسرى ، فناوله كتاب رسول الله  بيده .
ثم دعا كسرى كاتبا عربيا من أهل الحيرة وأمره أن يفض الكتاب بين يديه ، وأن يقرأ عليه ، فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى » .
ولما سمع كسرى هذا المقدار من الرسالة اشتعل غضبه في صدره

فاحمر وجهه وانتفخت أوداجه ، لأن النبي  بدأ بنفسه ، فجذب الرسالة من يد كاتبه ، وجعل يمزقها ، دون أن يعلم ما فيها ، ويقول : أيكتب لي بهذا وهو عبدي .
ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يخرج من مجلسه ، فأخرج من المجلس ، وهو لا يدري ماذا يكون بعد ذلك ، لكنه ما لبث أن قال : والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله  ، وركب راحلته وانطلق .
ولما سكت غضب كسرى ، أمر أن يردوه إليه ، فالتمسوه فلم يجدوه ، فأرسلوا في أثره ، وطلبوه في الطريق ، فلم يجدوه ، فلما قدم على رسول الله  أخبره بما كان من أمر كسرى ، وتمزيقه الكتاب ، فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال : « مزق الله ملكه » .
أما كسرى فكتب إلى باذان نائبه على اليمن ، أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين من عندك ، ومرهما أن يأتيان به ، وحملهما رسالة له يأمرهما بأدائها له ، ويأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كسرى دون إبطاء .
وطلب إلى الرجلين أن يقفان على خبر النبي  أن يستقصيا أمره ، وأن يأتياه بما يقفان عليه من أمره من معلومات .
فخرج الرجلان حتى بلغا الطائف ، فوجدا رجالا تجارا من قريش فسألاهم عن محمد عليه السلام ، فقالوا : هو في يثرب ، ثم مضى التجار إلى مكة فرحين مستبشرين ، وجعلوا يهنون قريشا ، ويقولون : قروا عينا فإن كسرى تصدى لمحمد وكفاكم شره .
أما الرجلان فيمما وجهيهما شطر المدينة ، حتى إذا وصلا إليهما ، لقيا

النبي  ودفعا إليه رسالة باذان ، وقالا له : إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك .
وقد أتيناك لتنطلق معنا فإن أجبتنا كلمنا كسرى بما ينفعك ، ويكف أذاه عنك ، وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته ، وبطشه ، وقدرته على إهلاكك ، وإهلاك قومك .
فتبسم رسول الله  ، وقال لهما : « ارجعا إلى رحالكما اليوم ، وأتيا غدا فلما غدوا على النبي  في اليوم التالي ، أخبرهما بأن الله قتل كسرى حيث سلط عليه ابنه (( شيرويه )) في ليلة كذا من شهر كذا .
فحدقا في وجهه وبدت الدهشة على وجهيهما ، وقالا : أتدري ما تقول : أنكتب بذلك لباذان . قال : « نعم ، وقولا له إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى ، وإنك إن أسلمت ، أعطيتك ما تحت يديك ، وملكتك على قومك وخرج الرجلان من عند الرسول صلوات الله وسلامه عليه وقدما على باذان وأخبراه الخبر .
فقال : لئن كان ما قاله محمد حقا فهو نبي وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيا . فلم يلبث أن قدم على باذان كتاب شيرويه .
وفيه يقول : أما بعد . فقد قتلت كسرى ولم أقتله إلا انتقاما لقومنا فقد استحل قتل أشرافهم وسبى نسائهم وانتهب أموالهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن عندك . فلما قرأ باذان الكتاب (( كتاب شيرويه )) طرحه جانبا وأعلن دخوله في الإسلام وأسلم من كان معه من الفرس باليمن .. انتهى .
اللهم أنظمنا في سلك الفائزين برضوانك ، واجعلنا من المتقين الذين أعددت لهم فسيح جناتك برحمتك في دار أمانك ، وعافنا يا مولانا

في الدنيا والآخرة من جميع البلايا ، وأجزل لنا من مواهب فضلك وهباتك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين . وصلى الله على محمد وعلى آله وصبحه أجمعين .


قصة عبد الله بن حذافة السهمي مع ملك الفرس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع