مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


24/04/2023 القراءات: 347  


سلسلة أمهات المؤمنين
جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها)


بنو المصطلق
هم نفر من قبيلة خزاعة، أصحاب بأس وشدة وكثرة عدد.
ولقد عز على زعيمهم الحارث بن أبي ضرار أن يرى محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبلغ المكانة الرفيعة بين العرب، وأن يتبوأ تلك المنزلة السامية، وأن يشتد ساعده مع أنصاره وأصحابه إلى درجة كبيرة جعلت كل الجزيرة العربية، من أدناها إلى أقصاها ترهب جانبه وتدين له بالطاعة. عزّ عليه ذلك وثارت عنجهيته الجاهلية وغطرسته القبلية، فقام بهم إلى المدينة لقتال المسلمين في عقر دارهم. قرر ذلك دون أدنى تقدير لما يمكن أن تجره عليه وعلى قبيلته هذه النزوة الجاهلية، والعصبية العشائرية الجياشة، حباً بالزعامة، ورغبةً بالتسلط والسيطرة.
وكم من مغرور أمثال الحارث في الماضي والحاضر يحاول أن يهدم هذا الدين، ويتعرض للدعوة وأصحابها وأتباعها بالتسلط والإيذاء، فلا يلبث أن يزول وينتهي، على صورة العبرة والموعظة، والدرس البليغ لغيره من بعده.
القائد المظفر الناجح (صلى الله عليه وآله وسلم)
إن التحليل الموضوعي الصادق لشخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الناحية القيادية العسكرية يثبت دون أدنى ريب أنه كان على أعلى المستويات في هذا المضمار.
فقد أرسل عليه الصلاة والسلام أحد أعوانه ممن كان يكلفهم مهمّات الاستطلاع، أن يستطلع ويستكشف أحوال وأخبار الحارث بن أبي ضرار، وجيشه الذي يعده، وخطته التي ينوي اتباعها، لتكون خطة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمبادأة والمفاجأة ناجحة ومؤكدة الظفر بإذن الله تعالى.
المعركة
وبعد أن أتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استعداداته، خرج على رأس جيش المسلمين إلى ديار بني المصطلق لمفاجأتهم، كان ذلك في شهر شعبان من السنة الخامسة من الهجرة.
والتقى الجيشان في مكان يسمى المريسيع، بعد أن خرج بنو المصطلق سريعاً لملاقاة المسلمين الذين نزلوا ديارهم وباغتوهم.
ودعاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام فأبوا واستكبروا بغير الحق، ثم نشب القتال ترامياً بالنبال وتراشقاً بالسهام، ثم جردت السيوف من أغمادها والتحم الفريقان في قتال مرير شديد، وأسفر عن هزيمة بني المصطلق هزيمة منكرة، ووقع أكثرهم أسرى في أيدي المسلمين، ولقد بلغ عددهم ما يزيد على سبعمائة، كما غنم المسلمون كثيراً من الإبل والشياه.
وفر الحارث مع قلةٍ من أصحابه لا يلوي على شيء ولا يهتدي إلى طريق، فر وقد ضاعت آماله، وانهارت قصوره وأوهامه وأحلامه التي زينها له شيطانه وجهله. وكان أعز شيء عليه أن تقع ابنته في الأسر مع من وقع من أصحابه وتسبى. لكن نجاته من الموت والأسر، كانت تخفف عنه بعض أحزان قلبه وأساه.
«برة» الأسيرة
وكان من بين الأسرى ابنة الحارث وتدعى برة وهي نفسها جويرية (رضي الله عنها) وسنأتي إن شاء الله على سبب تغيير اسم برة إلى جويرية.
كانت برة زوجة لأحد رجالات بني المصطلق الذين قتلوا في تلك المعركة، واسمه مسافع بن صفوان.
حديث عائشة (رضي الله عنها)
ولنترك الحديث الآن إلى السيدة عائشة (رضي الله عنها) فهي أولى بإتمامه وتفصيله منا وأصدق لهجة.
قالت أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نساءً من بني المصطلق فأخرج الخمس منه، ثم قسمه بين الناس، فوقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري وكانت تحت ابن عم يقال له مسافع بن صفوان بن مالك بن جذيمة ذو الشعر، فقتل عنها. فكاتبها الحارث بن قيس على نفسها على تسع أواقٍ، وكانت امرأة جميلة، لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه.
فبينما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندي، إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعرفت أنه سيرى منها الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من الأسر ما قد علمت، فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبني على تسع أواقٍ، فأعني على فكاكي. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أو خير من ذلك؟! فقالت: ما هو؟ قال: أؤدي عنك كتابك وأتزوجك.. قالت (قول المؤمنة بالله تعالى وبرسوله): نعم يا رسول الله… فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد فعلت.
الخير العظيم
نعود إلى حديث عائشة (رضي الله عنها) فتقول متابعة الحديث:
وخرج الخبر إلى الناس فقالوا أصهار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسترقّون؟ فأعتقوا ما كان بأيديهم من سبي بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة أهل بيت بتزويجه إياها. فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها.
اخترت الله ورسوله
وعلم أبوها الحارث بن أبي ضرار وهو في مكة لاجئاً عند قريش بما كان شأنها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزواجه منها، وكيف تحرر أكثر بني المصطلق بسبب بركتها، فأراد أن يأتي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليباحثه في أمرها ويفتديها، فجمع إبلاً كثيرة وقدم إلى المدينة، فلما كان في ضاحية منها، أعجبه بعيران مما معه فعزلهما في ناحية وأخفاهما عن أعين الناس.. وعندما أذن له بالحضور وأمن على نفسه وجلس بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: يا محمد… إن ابنتي لا يسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فخلِّ سبيلها..! فأجابه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبتسماً: أرأيت إن خيرناها… أليس قد أحسنّا. فقال الحارث: بلى، وأديت ما عليك.
فأتاها أبوها وهي في حجرتها من بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه رسول الله، فقال لها: يا ابنتي إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا.. فقالت: إني قد اخترت الله ورسوله… فقال لها: قد والله فضحتنا… وخرج من عندها…


سلسلة أمهات المؤمنين جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع