مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


✍️الصحابة يصوبون بعض المفاهيم القرآنية

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


25/12/2022 القراءات: 427  


✍️الصحابة يصوبون بعض المفاهيم القرآنية
كانت لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مواقف فريدة، تتجلى فيها حراستهم لحسن الفهم للقرآن، وتصدّيهم لأي فهم خاطئ لآياته، أو تفسيرٍ باطلٍ لها، أو حملٍ لها على ما لم تدل عليه، ولا توحي به.
كانوا يعيشون دائماً بين المسلمين، ويقدمون لهم المفاهيم القرآنية الصائبة، والتفسيرات القرآنية الصادقة، ويراقبون صلتهم بالقرآن، فيصحِّحون هذه النظرة، ويصوِّبون ما قد يصدر عنها من أفهامٍ وآراء.
وقد سجَّلت لنا كتب الحديث، أمثلةً واضحةً لهذه الحراسة الإِيمانية الحيَّة من قبل الصحابة، والتصويبات الفذة لأفهام بعض المسلمين تجاه آيات من القرآن.
ونقدم فيما يلي مجموعةً من هذه الأمثلة والشواهد، لنضيفها إلى ما ذكرناه من قبل، من تصويبات للرسول صلى الله عليه وسلم لبعض المفاهيم والمعاني والدلالات، التي قد أُخذت من بعض الآيات.

1 - عائشة تصوب لعروة معنى السعي بين الصفا والمروة
روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك، عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما، قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها، فقلتُ لها: أرأيت قول الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فَوالله ما على أحدٍ جُناح أن لا يطوَّف بهما. قالت: بئسما قلت يا ابن أختي - وكان عروة ابن أختها أسماء رضي اللَّه عن الجميع - إِنَّ هذه لو كانت على ما أولْتَها كانت: لا جُناح عليه ألا يطوف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهِلّون لمَنَاةَ الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلَّل، وكان من أهلَّ لها يتحرَّج أن يطوف بالصفا والمروة.
فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة؟ فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}.
قالت عائشة رضي اللَّه عنها: وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.
لقد فهم عروة بن الزبير من الآية أنها ترفع الجُناح -وهو الإثم- على من طاف بين الصفا والمروة {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، ونفيُ الإثم على من فعل ذلك يدل على كونه مباحاً يستوي فعله وتركه، فلو كان واجباً لأوجبه الله بالنص وما اكتفى برفع الإثم على من فعله.
وهذا فهمٌ خاطئٌ من عروة، لو قلنا به لكان السعي بين الصفا والمروة مباحاً، وليس ركناً من أركان الحج كما هو معروف.
فصوبت عائشة - رضي الله عنها - لعروة فهمه، وبيَّنت له أن الآية ساكتةٌ عن الوجوب وعدمه، وإنما تهدف إلى رفع الإثم على من سعى بينهما، وأنها تعالج تحرجاً في نفوس الأنصار.
أما وجوب السعي بينهما فمأخوذٌ من أحاديث وفعل الرسول عليه السلام. واستعانة عائشة بسبب نزول الآية، دليلٌ على وجوب معرفة سبب النزول لدقة الحكم، وصحة الفهم.
...

2 - أبو أيوب الأنصاري يوضح معنى التهلكة
روى أبو داود عن أسلم أبي عمران رحمهم الله تعالى قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه، مه، لا إله إلا اللَّه، يلقي بيديه إلى التهلُكة.
فقال أبو أيوب: إنما أُنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار. لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام، قلنا: هلمّ نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فالإلقاء بالآيدي إلى التهلُكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وَنَدعُ الجهاد.
قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله، حتى دفن في القسطنطينية.
وروى الترمذي هذه الحادثة بألفاظٍ أخرى عن أسلم أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مِثْلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عُقْبَة بن عامر، وعلى الجماعة: فُضالَة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله، يلقي بيديه إلى التهلُكة!.
فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس لتؤولون هذه الآية هذا التأويل! وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثُر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً - دون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم -: إِن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى على نبيه، يرد علينا ما قلنا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
وكانت التهلُكة: إلِإقامة على الأموال وإصلاحها، وترْكُنا الغزو.
فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله، حتى دفن بأرض الروم.


✍️الصحابة يصوبون بعض المفاهيم القرآنية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع