مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي
الانحراف في باب البدعة والتّبديع في مسائل الخلاف الفقهيّ المعتبر (1)
الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab
28/04/2023 القراءات: 338
إنّ الخلاف بين النّاس أمر طبيعيّ ومن السّنن الكونيّة، إذ يستحال أن يجتمع النّاس على رأي واحد وفكر واحد. والخلاف الفقهيّ في مسائل الفروع قد وقع منذ عهد الصّحابة -رضي الله عنهم- والتّابعين وتابعيهم -رحمهم الله-، وهم خير القرون، كما ثبت في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلّم- "خيرُ أمّتي القَرنُ الّذينَ يلُوني، ثمّ الّذين يلُونهم، ثمّ الّذين يلُونهم، ...الحديث" (Muslim,1955,n2533)، وصحّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، الحديث» (Abu Dawud,2009,n4657).
كما وقع الخلاف الفقهيّ بين أئمّة المذاهب السّنّيّة المعتبرة، وهم أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وأحمد بن حنبل -رحمهم الله-، وكتبهم تزخر بهذا الخلاف الفقهيّ في مسائل الفروع، وهذا الخلاف لم يؤدّ بهم إلى التّباغض والتّقاطع والتّدابر، ولم يحدِث بينهم شيئًا من الفتنة والنّفرة، بل كانوا متحابّين متآخين، يثني كلّ منهم على الآخر؛ لأنّهم كانوا متّفقين في أصول الدّين وقواعده، فلم يتعدّ هذا الخلاف إلى الاختلافات الاعتقاديّة، وممّا هو معلوم من الدّين بالضّرورة. لكنّ النّاظر إلى الواقع المعاصر يجد انحرافًا جليًّا، وميلًا عن جادّة الصّواب، في باب البدعة والتّبديع في مسائل الخلاف الفقهيّ السّائغ، وفي القضايا الاجتهاديّة، حيث يُرمى القول المخالف في ذلك بالبدعة، ويوصف قائله بالمبتدع في الدّين، وأوّل من يتجرّأ على اقتحام هذا الباب هم الجهلة، الّذين لا يعرفون للدّين معنى، ولا للشّريعة قيمة، وطلبة العلم المبتدئون في طلبه، ممّن لم يشمّ رائحته، ثمّ متعصّبة الشّيوخ والمذاهب الّذين يؤثرون اتّباع المذهب على اتّباع الكتاب والسّنّة، فيردّون دلالات النّصوص انتصارًا لشيوخهم أو لمذاهبهم، وقد يكون من العلماء المشهود لهم بالعلم والفضل، لكنّ الخطأ وارد منهم ! وهذه مشكلة خطيرة تحتاج إلى بيان حدود البدعة والتّبديع، وتوضيح ضوابط الخلاف السّائغ في المسائل الفقهيّة، مع إبراز نماذج من مسائل الخلاف الفقهيّ السّائغ، ومناقشة حجج من يرمي قول المخالف بالبدعة، ويوصف قائله بالمبتدع؛ للذّود عن علمائنا الأجلّاء، وليكون النّاس على علم بحدود البدعة والتّبديع، وضوابط الخلاف السّائغ في المسائل الفقهيّة. لذا يهدف هذا البحث إلى ما يلي:
(1)- بيان حدود البدعة والتّبديع.
(2)- توضيح ضوابط الخلاف الفقهيّ المعتبر في المسائل الفقهيّة.
(3)- إبراز نماذج من مسائل الخلاف الفقهيّ السّائغ ومناقشة حجج من يرمي قول المخالف بالبدعة.
الانحراف، البدعة، الخلاف
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع