مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


إياكم وشجرة (ذات أنواط) أ.د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


31/12/2023 القراءات: 604  


إياكم وشجرة (ذات أنواط)
ترد كلمة (الشجر) ومشتقاتها في خمس وعشرين موضعاً في القرآن الكريم، متخذة أشكالاً وصيغاً دلالية متعددة، وكلها تنضوي تحت ثلاثة صيغ رئيسة، وهي الدلالة الحيادية، والدلالة الإيجابية، والدلالة السلبية.
أولاً: الدلالة الحيادية: حيث تكون إما دلالة على مكان أو تعداد لخيرات الله أو تكون من ضمن أشياء أخرى يتم تعدادها، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]، والجدير بالذكر أن الشجر هنا مذكور بشكل حيادي لا بصفة إيجابية ولا سلبية، وليس هناك مدح او ذم بل تعداد وسرد بالأشياء والمخلوقات التي تسجد لله تعالى تمثلاً بقدرته وطاعة لقوانينه، كما في قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6].
ثانياً: الدلالة الإيجابية: كقوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ} [المؤمنون:20]، وهي شجرة الزيتون المباركة، وخصت بالذكر؛ لأن مكانها خاص في أرض الشام، ولأنها من أكثر الأشجار فائدة بزيتها طعاماً وإصلاحاً ومداواة، ومن أعوادها وَقود وغيره، ومن أقل الأشجار تكلفة لزارعها، وقوله: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} بيان لمنافع هذه الشجرة على سبيل المدح، والدهن: عصارة كل شيء ذي دسم. والمراد به هنا: زيت الزيتون، ومعنى {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} الإدام لأنه يصبغ الخبز، ويجعله كأنه مصبوغ به.
ثالثاً: الدلالة السلبية: وترد في عدة أشكال منها الابتعاد عن الكفر والشرك، وتصوير أشكال العذاب وشدته، والتحذير من معصية أوامر الباري سبحانه وتعالى، كقول الله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم: 26]، فمثل كلمة خبيثة، وهي كلمة الكفر وفروعها كالغيبة والنميمة، كشجرة خبيثة المأكل والمطعم، وهي شجرة الحنظل، اقتلعت من أعلى الأرض؛ لأن عروقها قريبة من سطح الأرض ما لها أصل ثابت، ولا فرع صاعد، وكذلك الكافر لا ثبات له، ولا خير فيه، ولا يُرْفَع له عمل صالح إلى الله تعالى.
ويؤكد القرآن على أن شجرة الزقوم وهي الشجرة الملعونة تنبت في أوسط وقعر الجحيم، قال سبحانه وتعالى: {أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ.‏ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:62]،
ويقال بأن (أصحاب الرس) الوارد ذكرهم مرتين في القرآن الكريم على سبيل الإجمال؛ ولم يفصل القول في أحوالهم وأخبارهم، كانوا يعظمون شجرة الصنوبر ويعبدونها، قال الله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان: 38-39] والتتبير: الهلاك، فأصحاب الرس كذبوا وحق عليهم الوعيد فأهلكوا.
أما في عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانت هناك شجرة عظيمة خضراء جميلة جداً تسمى (ذات أنواط) هي شجرة كانت معروفة من أيام الجاهلية، يعلقون عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها، وقد تعلق الناس بها.
وبينما النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة في طريق حُنَيْنٍ إذ رأى بعض الصحابة تلك الشجرة (ذَاتُ أَنْوَاطٍ) فسألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أن تكون لهم شجرة ينوطون بها سلاحَهم ويستمدُّون منها البركةَ والنصرَ، فلم يُجِبْهُمْ إلى طلبهم، بل أنكر عليهم صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أشدَّ الإنكار وحذرهم، لكنه عذرهم حينها وذلك بسبب الجهل لكونهم حديثي عهد بالكفر، ونصُّ الحادثة كما رواها الإمام أحمد في المسند:
عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ -وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ-، ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ, اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: {ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ} [الأعراف:138]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].
والأنواط: جمع نوط، وهو كل شيء يعلق، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق.
قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
ويستفاد من الحديث أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة الذين طلبوا ذلك لم يكن مضى على إسلامهم إلا أيام معدودة، لأنهم أسلموا يوم فتح مكة، ثم خرج بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزوة حنين، فوقعت تلك الوقعة وهم في طريقهم إلى حُنَيْنٍ.
وفيه أيضاً النهي عن التشبه بأهل الجاهلية وأهل الكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم.
أخي المسلم: إياك أن تجلب إلى بيتك ما يدعى بشجرة الميلاد، فإن فعل ذلك خلل في عقيدتك؛ لأنها تشبه شجرة ذات أنواط.
وأخيراً: كل عام ونحن جميعاً نشهد أن لا إله إلا الله، وأن نبينا محمداً عبده ورسوله، وأن الله تعالى واحد أحد، فرد صمد


شجرة، ذات أنواط، الشجرة الملعونة، الشجرة الخبيثة، شجرة الميلاد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع