مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (71)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


25/10/2023 القراءات: 559  


شيوع الخطأ وسيرورته:
"الشكوى والعتاب وما وقع للخلان والأصحاب" مخطوطٌ نسبَه بروكلمان (5: 196) (ط دار المعارف) إلى عبدالملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (ت: ٤٢٩).
وطُبع، بتحقيق: إلهام عبدالوهاب المفتي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1 (1421-2000). وكتبتْ على الغلاف: الشكوى والعتاب المنسوب لأبي منصور الثعالبي: تحرير للنسبة وتحقيق للنص.
وحقيقتُهُ أنه أبوابٌ مستلةٌ من "ربيع الأبرار" للزمخشري، كما بَينت المحققةُ نفسُها في مقدمتها.
وانظر كذلك مقال: "الشكوى والعتاب" للدكتور فيصل الحفيان في "الهلال"، شوال (1424)، ديسمبر (2003).
ومع وضوح خطأ النسبة رأيتُ بعض المحققين ينسبه إلى الثعالبي غيرَ ملتفتٍ إلى ما قالته المحققةُ نفسُها، وما قاله الدكتور فيصل الحفيان.
ويزداد الأمرُ اضطرابًا حين يُعزى إلى "الشكوى والعتاب" ثم إلى "ربيع الأبرار"! وهما واحدٌ كما علمتَ.
ومن أمثلة هذا الخطأ ما جاء في "مجموع رسائل العلامة مرعي الكرمي الحنبلي" (7: 334. 335). وقد نُسِبَ "الشكوى والعتاب" في الموضع الأول مِنْ هذين الموضعين المذكورين إلى ابن قتيبة. ولعله خطأ مطبعي.
والذي روَّج الخطأ نشرُ الكتاب في (المكتبة الشاملة) منسوبًا إلى الثعالبي، مع أنه كُتب في التعريف به: يُنسب للثعالبي. وكان يجب أن يُنسب إلى الزمخشري ويُبين أنه جزء من كتابه "ربيع الأبرار".
ومِن أمثلة سيرورة الخطأ أني كنتُ كتبتُ بحثًا بينتُ فيه أن الرسالة التي طُبعت بعنوان: رسالة في تفسير قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة) منسوبة إلى ابن طولون = ليست لابن طولون، وأثبتُّ بيقين أنها للحافظ العلائي. ومع ذلك فإن الرسالة نُشرتْ في المكتبة الشاملة على أنها لابن طولون دون التفاتٍ للتصحيح!
وهناك أمثلة أخرى.
***
إجازة ابن الهُمام لتلميذه ابن أمير حاج:
هذه إجازة كتبها الإمامُ المحقّقُ الكمال ابن الهُمام لتلميذه ابن أمير حاج الحلبي، نقلها الشابُّ الفاضلُ النابهُ الطلعةُ الشيخُ عطاء الله ساربالين الكزَخي المقيم في إسطنبول دارسًا ومدرسًا، نقلَها من آخر نسخة من "التحرير" بخط ابن أمير حاج، والإجازة بخط ابن الهُمام، ومما يُؤسف له سقوط تتمة الإجازة بسقوط ورقة من آخر النسخة.
وهذه هي، وفيها دلالاتٌ جديرةٌ بالاعتبار:
"الحمد لله الذي خَصَّ مَن شاء مِن عباده، بتنوير بصيرته لنيل مراده، ومنح مَنْ لحقتْه عنايتُه بجوده الفكر المصيب، ووفَّرَ له بذلك من الخيرات أوفى نصيب، فراحَ ودأبُه علمُه وآدابُه، وآراؤُه المصيبة في تحقيقات الفنون آرابُه، فعمرَتْ به ممّا درسَ مِن آثار العلوم رباعُها، وحَيِيَتْ مِن أراضيها الممحلة جميعُ بقاعِها [كذا، ولفظ "جميع" غيَّر حركة "بقاعها" إلى الجر!]، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولمّا كان الشابُّ الفاضل محمّد شمس الدين الشهير بابن أمير حاج الحلبي ممّن اتّصف بما ذكرنا من الصفات الأماثل، حتّى عذبتْ بورده المناهل، وأقرَّ بفضلهِ واستحقاقهِ به كلُّ عاقل، وعلمتُ ذلك منه علم اليقين؛ فإنّه تردَّد إليَّ فقد حلَّ وارتحلَ، ثمّ حلَّ وارتحلَ فسمع وقرأ من الفقه والأصول والتفسير ما شاء الله تعالى، وجمعَ مِن ذلك بين طرفي كتابي المُسمّى بالتحرير في الأصول سماعًا وقراءةً فكان واسطة عِقد الحاضرين، وهامي صوب غيث المذاكرين، فَلعمري لقد أفاد، قريبًا ممّا استفاد، وأربى على الأقران في كلِّ ناد، مِن حاضرٍ أو باد، فاستخرتُ الله تعالى وأجزتُه....".
***
احتفاء بالختمة الثانية:
اعتاد الأستاذ الأديب عوض بن حاسوم الدرمكي نشر تغريدة: عبارة عن صفحة من القرآن الكريم كل يوم، وقد أتم يوم الثلاثاء (9) من ربيع الآخر سنة (1445) الختمة الثانية، وكان الأستاذ الدكتور عماد ملكاوي معه في الختمة الأولى والثانية، وكتب له بهذه المناسبة هذه الأبيات الرائقة:
كم آنستني وفيها أيُ إيناسِ ... تغريدةٌ ملأت روحي وإحساسي
فيها من الوحي آياتٌ يلينُ بها ... قلبُ الذي يشتكي مِنْ قلبه القاسي
في متنها صفحةُ القرآن يتبعُها ... شرحٌ يماثلُ تفسير ابن عباسِ
جاءتْ تُذكِّر أنَّ الله يسَّره ... للذكر تَبصِرةً للغافل الناسي
تابعتُها كلَّ يومٍ لا أفوِّتها ... كأنها مِنْ دمي أو بعض أنفاسي
ثوابها عشرةٌ للحرف تقرأه ... قيستْ على ألِفٍ لامٍ بمقياس
ما زلتَ تنشرها دومًا وأقرؤها ... مِنْ سورةِ الحمد حتى سورة الناسِ
يكفيك من "عوضٍ" عنها إذا وُزِنت ... يوم القيامةِ في ميزان قسطاسِ
***
متى تنتهي الحرب؟
نُشر في وسائل التواصل هذا النص:
"قالوا: متى تنتهي الحرب يا رسول الله؟ قال: عندما يمتلئ الدعاء [وبعضهم يقول: الوعاء] بـ: حسينا الله ونهم الوكيل".
وكان قد روّجه بعض الدعاة الوعاظ.
ولم أقف على هذا الحديث في كتب السُّنة المتداولة.
***
تواريخ مؤلفات ابن حجر:
نحتاج قائمة بذلك، وقد فرغ -مثلًا- من تأليف "بلوغ المرام" في حادي عشر ربيع الأول سنة (828).
***
لطيفة لابن حجر:
أنشد الحافظ ابن حجر:
ذُبتُ في الحُب إلى ... أنْ رقّ لي مَنْ قتلا
وقال: ذا الحولَ أزرْ ... فقلتُ: لا حولَ ولا
منية المحبين وبغية العاشقين للشيخ مرعي الكرمي (٧: ١٦٦) من طبعة الدكتور علي زينو ضمن مجموع الرسائل.
وفي طبعة الدكتور عباس هاني الجراخ (ص: 168):
قُتلتُ في الحُب إلى ... أنْ رقّ لي مَنْ قتلا
وقال: ذا الحولَ أزر ... ما زار لا حولَ ولا
وقال الكرمي بعد إيرادهما:
"وقلتُ مضمنًا له:
صار جسمي في نحولٍ وبلا ... مذ أتى المحبوبُ في الوصل بلا
قال لي ذا الحول آتي زائرًا ... مانَ ذا الغرّارُ لاحول ولا
و"مان": كذب.
***
المبادرة بالتدوين:
يسمع الإنسانُ في حياته، في مجالساته ومخالطاته، وحَله وترحاله الكثيرَ من الأخبار والأسرار والأسمار والأشعار، فإذا بادر وكتب ما سمع حظي على الأيام بزادٍ وفير، وكنزٍ كبير، وإذا سوّف ندم، وأنا أقول دائمًا: ما كتبناه ربحناه، وما سوَّفناه فقدناه.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع