مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


المسلم الكيوت ، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


05/01/2023 القراءات: 885  


المسلم الكيوت

في الآونة الأخيرة، وفي غمرة الصراعات القائمة بين أهل الحق وأهل الباطل؛ كثر إطلاق مصطلح (المسلم الكيوت) بين روَّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وكلمة (cute) تعني الجذاب، ويعنون به أولئك الذين يتبعون ذلك النسق من الإسلام منزوع الخيرات والدسم، وذلك الترخص المبتذل للدين والتدين، والذي أصبحوا في الأغلب يتنازلون عن كثير من الأحكام الشرعية الثابتة، بدعوى القراءات المعاصرة والفهم الجديد للنص الديني، ويرون أن الإسلام هو شيء موروث، ورثناه عن الآباء والأجداد، كما يرون المسلمَ الملتزم بدينه متشدداً متطرفاً؛ لذلك يتجاسرون ويطعنون في العلماء، ويجرؤون فينكرون السنة النبوية، وينتقدون حتى الشعائر الدينية.
فترى (المسلم الكيوت) متّكئاً على أريكته بعد أن ألقى في بطنه وجبة دجاجٍ من (كنتاكي)، وكان قد سبقها بيومٍ في التهام شطيرة لحمٍ من (ماكدونالدز)؛ يرفع عقيرته بالتّشنيع على المسلمين الذين يذبحون الأضاحي في عيد الأضحى المبارك؛ لأنّهم برأيه يمارسون الجريمة بحقّ الحيوانات، ويرعبه فزعاً منظر الخراف التي لقيت حتفها بلا رفق ولا رأفة ولا رحمة على أيدي المسلمين القساة!
ولا أدري لماذا يخرس هؤلاء ولا ينبسون ببنت شفة انتصارًا لملايين طيور الدّجاج التي تذبحها (كنتاكي) يوميًّا، ولا يفزعون لمئات الآلاف من الأبقار التي تذبحها شركة (ماكدونالدز) يوميًّا وليس مرّة في العام؟!
ولقد أعلنت شركة (ماكدونالدز) أنها تستهلك في أمريكا فقط، (يوميًّا وليس كل سنة) مئةً وواحداً وثمانين طنًا من لحم البقر، بناء على إحصائياتها عام 2013م، ولكم أن تتخيّلوا كم تستهلك في العام وفي العالم!
ومما يستغله المسلم الكيوت ويستشهد به مثلاً، ذلك المقطع المجتزأ والمستل من سياق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ)، حيث يستغله في إباحة عمليات التجميل والقزع والتعري، والحديث بكماله وفي سياقه يقول: (لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كان في قلبِهِ مِثقالُ ذرَّةٍ من كِبرٍ، قِيلَ: إنَّ الرجُلَ يُحبُّ أنْ يكونَ ثوبُهُ حسنًا، ونعلُهُ حسنةً، قال: إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ، الكِبرُ بطَرُ الحقِّ، وغمْطُ الناسِ) [رواه مسلم].
أما المسلم الكيوت فإنه يتبع هواه على حساب أحكام دينه، والباري سبحانه وتعالى يقول: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم:30]، ويقول أيضاً: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا) [النساء: 119].
وروى أبو داود عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن القَزَع، وهو أنْ يُحلَقَ رأسُ الصبيِّ، فتُترَكَ له ذُؤابةٌ.
ويرى المسلم الكيوت أن الفتاة المحجبة معقدة ولا تعرف كيفية الاستمتاع بحياتها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فكيف إذا أصبح المسلم الكيوت شيخاً يُفتي الناس في أحكام الدين؟! ويتهم المسلمين الملتزمين بالنفاق، وفي الوقت ذاته يتملق لأسياده من جميع الملل والنحل؛ فيشاركهم أفراحهم وأتراحهم وكأنه واحد منهم!
ثم إن المسلم الكيوت يشتهر بعبارات مثل: (خلّوا الدِّين لأهله)، وعبارة: (دعوا الخَلْقَ للخالق)، وعبارة: (لعله أقربُ إلى الله منك)، وعبارة: (أحبُّ الكافرين ولستُ منهم)، وعبارة: (مِن المستحيل أن يحرِّم الله شيئاً جميلاً) وغيرها من العبارات التي تجعله يتفلت من كل ضابط أو رابط.
إن الإسلام كل متكامل، لا يتجزأ ولا ينقسم، إنه كالذرّة، بما فيها من كهارب موجبة وأخرى سالبة، إذا انشطرت الذرة، دمرت ما حولها من كل أخضر ويابس.
وبقليل من العقل والفهم ندرك الحقيقة، فحين يسأل أحدهم عن المسافة بين حلب ودمشق مثلاً، هل هي 350 كم، أو 50 كم؟
فإن أجبته بالحقيقة وأن المسافة بينهما 350 كم وهو الرقم الكبير، هل سيتهمك بأنك متشدد ومتطرف؟! ذلك لأنك أجبتُه بأصعبِ الإجابتين، وأكبر الرّقمين؟! أبداً.
لا يُمكن لعاقلٍ أن يُخبرك بأن المسافة بين حلب ودمشق 50 كم فقط، ويختار أسهل الإجابتين، وأصغر الرّقمين؛ ليكونَ في نظر الآخرين مسلماً كيوتياً، لأن الإجابة تستند إلى مصادر مُعتمدة في علم المسافات، كالهندسة والجيولوجيا والطبوغرافيا وغيرها.
كذلك أحكام الإسلام لها مصادرِ مُعتمدة؛ وهي: القرآن، والسنّة، والإجماع، والْقياس، والاستحسان، والاستصحاب، والمصالح المُرسلة، وغيرها.
فإياك أن يدلِّس عليك أحدهم فيوقعك معه في شباك هذا الطاعون الفكري ثم يقضي عليك.


المسلم الكيوت، الجذاب، الفهم الجديد، عمليات التجميل، القزع، متشدد، متطرف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع