مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


اليونسكو ومبادرة إحياء روح الموصل" دراسة في متطلبات بناء السلام في مجتمعات ما بعد النزاع"

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


02/06/2023 القراءات: 1108  


اليونسكو ومبادرة إحياء روح الموصل
ارتبط دخول منظمة اليونسكو إلى مدينة الموصل بالاهتمام الدولي الكبير الذي حصل بقضية إعمار محافظة نينوى بعد تحريرها من قبل عصابات داعش الإرهابية، وكان وجود اليونسكو إلى جانب عدد كبير من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية لغرض إعادة الإعمار والاستقرار لهه المحافظة العراقية، وكان هناك إصرار كبير من قبل منظمة الأمم المتحدة على أن يتم توظيف كل الجهود الدولية من اجل إعادة الحياة لهذه المحافظة وتهيئة الأجواء المناسبة لعودة المدنيين إلى مدينتهم وتوفير المستلزمات الأساسية للحياة الكريمة لهم، وقد وجدت اليونسكو نفسها أمام مسؤوليات كبيرة تجاه مدن مدمرة بالكامل وتجاه حالة واسعة من التخريب للممتلكات الثقافية والأثار وتجاه تشويه كامل لمعالم المدينة وموروثها الثقافي والحضاري والتاريخي، بالإضافة إلى التحدي الخاص بعودة مسيرة التربية والتعليم في هذه المحافظة والعمل من اجل استئناف الدراسة في المدارس والجامعات العراقية وضمان عدم ضياع السنوات الدراسية على أبناء تلك المدن المحررة، وكانت تلك الفترة تتسم بوجود الكثير من المخاطر الناجمة عن وجود مخاوف لوجود بقايا من عصابات داعش الإرهابية واحتمالية توجيه هجمات مسلحة للعاملين في الهيئات والمنظمات الدولية، فضلا عن حجم التدمير شبه الكامل للمدارس والجامعات والمتاحف والمواقع الأثرية ووجود المخلفات الحربية وبعض الأماكن التي لم يتم تأمينها بالكامل فكان الأمر بالفعل يرتبط بوجود العديد من التحديات والمخاطر التي تمس عمل هذه المنظمة في محافظة نينوى.
وبعد أن عُقد مؤتمر لإعادة إعمار العراق في الكويت في شباط 2018 بدعوة من البنك الدولي وبإشراف من قبل منظمة الأمم المتحدة، أعلن المجتمع الدولي ممثلاً بالدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والشركات العالمية عزمه على حشد الجهود اللازمة لترميم البنية الأساسية للعراق، ولم تألُ اليونسكو جهداً للذود عن الجانب الإنساني لمشاريع إعادة الإعمار، بل كانت شريك حقيقي وفاعل في هذا المجال وتم إحالة عدد من المشاريع اليها وأوكل اليها امر تنفيذها بحكم تخصصها في مجالات التربية والتعليم والثقافة. وقد صرحت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي بأن "نجاح عملية إعادة إعمار العراق واستعادة العراق مكانته ومجده مرتهن بإيلاء الأولوية للجانب الإنساني في هذا المشروع، ويمثل التعليم والثقافة العنصرَين الرئيسيَين اللذين يمكن تسخير إمكاناتهما لتحقيق الوحدة والمصالحة".
وتُعدّ حملة "إحياء روح الموصل" الحملة الأكثر طموحاً من بين حملات إعادة الإعمار التي اضطلعت اليونسكو بتنفيذها في العقود الماضية وتأتي أهمية هذه النشاط من عدة مجالات منها ما يتعلق باختيارها مدينة الموصل التي كانت تعاني من ظروف أمنية استثنائية ومن تبعات خطيرة ناجمة عن النزاع المسلح، ومنها ما يتعلق بطبيعة الأنشطة التي اختارتها منظمة اليونسكو في اطار هذه الحملة، وأيضا تأتي أهميتها في الرسالة السامية التي حملتها هذه المبادرة في أن اليونسكو لابد لها من أن تقدم شيء لصالح قضية السلام العالمي ومتطلبات إعادة البناء والاستقرار في مجتمعات ما بعد النزاع، وتقوم هذه الحملة على ثلاث ركائز تتمثل في إعادة صيانة التراث الحضاري لمدينة الموصل والحفاظ عليه، والحياة الثقافية وأهمية دفع الحياة الثقافية وتطويرها ورفدها بعناصر التجدد والاستمرارية والنجاح، والتربية والتعليم وما يرتبط بها بمجالات تخدم هذا الاطار الذي كان بحاجة حقيقية إلى عملية إصلاح وإعادة بناء بالكامل، ونظرت اليونسكو إلى هذه المحاور الثلاث باعتبارها وسائل رئيسية لإنعاش مدينة الموصل. وتعود مبادرة اليونسكو لإحياء روح الموصل بالنفع أيضاً على سكان المدينة، رجالاً ونساءً، إذ توفر لهم فرص عمل وأنشطة تدريب من خلال العمل في مجال ترميم التراث الثقافي وإعادة إعماره، وهذا أمرٌ لا غنى عنه لتنمية المهارات وتعزيز الإدماج الاجتماعي في العراق في هذا الوقت العصيب في حياة مدينة الموصل، وقد يشكل هذا الموضوع بحد ذاته أمراً على مستوى عالي من الأهمية حيث أن محاولة إيجاد فريق عمل محلي من بين أبناء مدينة الموصل لديه خبرة متراكمة في مجال التعامل مع الموروث التاريخي والحضاري والقدرة على التعامل معه وتوفير ما يلزم من متطلبات الإصلاح والتأهيل للمواقع التاريخية والتراثية يعطي لهذا الفريق قدرة على إمكانية الاعتماد عليه في أعمال ونشاطات لاحقة دون الحاجة إلى الاعتماد على الخبراء الدوليين في مجال التعامل مع مثل هذه الحالات.


اليونسكو- احياء روح الموصل - بناء السلام - مجتمعات ما بعد النزاع.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع