مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي
قراءات معاصرة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان "دراسة بعد مرور 70 عام على صدور الاعلان"
د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi
05/11/2021 القراءات: 4418
تمثل التطورات الحاصلة في مجال قانون حقوق الانسان احد ابرز المعالم الدولية المعاصرة ومظهر من مظاهر تطور المجتمع الدولي، واذا كان الاهتمام بقضايا حقوق الانسان يرتبط بمسيرة طويلة من التطور في مجال المجهودات الدولية المبذولة على مستوى المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية وعلى المستوى العالمي والاقليمي في اطار حركة حقوق الانسان. فان احد نتاجات هذه المرحلة ظهور عدد كبير من الوثائق الدولية المعنية بقضايا حقوق الانسان والتي تنوعت في اشكالها ما بين اتفاقيات دولية شارعة واتفاقيات دولية اقليمية وصكوك ومواثيق دولية واعلانات عالمية وقرارات صادرة عن هيئات حقوقية ومقررات لمؤتمرات دولية، واذا كان ما يجمع بين هذه الوثائق والصكوك هي الرغبة في الزام الدول بأحكام قانون دولي جديد يمثل احد فروع القانون الدولي العام ويتسم بطابعه الانساني، حيث اخذ هذا القانون يختط لنفسه ذاتية مستقلة ويبنى له احكام خاصة به وهو ما اصبح يصطلح على تسميته في ادبيات القانون الدولي المعاصر بالقانون الدولي لحقوق الانسان وما بات يضمه هذا القانون من تنظيم تفصيلي لشتى مظاهر الحماية الدولية للحقوق والحريات وبالقدر الذي اصبحت الدول ملزمة باحترام قواعده والعمل بموجبه.
واذا كانت باكورة عمل منظمة الامم المتحدة في مجال حقوق الانسان هو اصدار الاعلان العالمي لحقوق الانسان فان هذا الاعلان منذ صدوره والى يومنا هذا جسد شكلاً اساسياً من اشكال التعامل الدولي مع منظومة الحقوق والحريات في اطار يكتنفه الكثير من الملاحظات والمأخذ والتشكيك من قبل البعض بأهميته وقدرته على الاستمرار ومدى الزام الدول به وهل يشكل هذا الاعلان مجرد رمزية شكلية لها مظاهرها التاريخية وخلفياتها ام انه يتسم بالإلزام القانوني بالمعنى المفهوم والمراد من فكرة الالزام، في خضم هذه البيئة الدولية التي يمكن وصفها بانها بيئة تحاول ان تشكك احيانا في مخرجات هذا الصك الدولي او ان يكون في منظور الطرف الاخر بمثابة وثيقة مقدسة وانموذج لعمل دولي متكامل وتجسيد لقيم انسانية نبيلة، في مثل هذا التضارب والانقسام نجد انه من الضروري ان يتم اعادة قراءة الميثاق قراءة جديد في ضوء تحليلات الواقع الوطني والاقليمي والدولي، وان تكون تجربة وضع هذا الاعلان محل دراسة فاحصة في منظور دولي معاصر تطرح فيه عناصر القوة والضعف وتستنبط مظاهر الصلاحية للنفاذ والاثار التي تنشأ عن الاقرار بمرجعية الاعلان العالمي في اطار الشرعة الدولية واطار الاتفاقيات والصكوك الدولية الاخرى المقررة في مجال حقوق الانسان.
اهمية الدراسة : تكمن اهمية هذه الدراسة في انها تحاول ان تجعل من القراءة المعاصرة مدخل للتعامل مع المفردات الاساسية لهذا الاعلان في ضوء الاطار الفلسفي والفكري له وانعكاس هذا الاطار على الجوانب الصياغية والتنظيمية الخاصة به كأحد الوثائق المعنية بحقوق الانسان ومن خلاله يمكن تحديد الاثار التي تنشأ عن الاعتراف بمركزه المحوري في اطار النظام القانوني الحاكم لحقوق الانسان وبالتالي يتم تقييم كل النتائج وتحديد مضامينها الاساسية. كما تكمن اهمية الدراسة في الحاجة الفعلية الى اعادة قراءة العديد من الوثائق الدولية المعاصرة في اطار نقدي وتحليل يجري من خلاله فحص كل معطيات تلك الوثائق وتقييم مدى قدرتها على البقاء وحدود فاعليتها في الحياة الدولية مما يستوجب اعادة النظر في بعض النتائج في ضوء القراءات المعاصرة لها.
اهداف الدراسة: نهدف من هذه الدراسة ان نقدم رؤية متجددة حول الاعلان العالمي لحقوق الانسان مستمدة من قراءة معمقة وتحليل دقيق لمضامينه وتحديد للأطر الفكرية والفلسفية التي يجسدها في منظور التحولات الجوهرية في اطار المجتمع الدولي والتوجه نحو تبني فهم عالمي لبعض المفردات والتسويق لقيم ومفاهيم على انها مشتركات عالمية من دون ان يصار الى الكشف عن مدى ملائمتها وانسجامها مع النظم لوطنية والخصوصيات الثقافية والاجتماعية للعديد من المجتمعات.
اشكالية الدراسة: تتمثل الاشكاليات الاساسية المتصلة بإعادة قراءة الاعلان العالمي لحقوق الأنسان في عدة مجالات منها ما يتصل بمشكلة قدرة الاعلان على مواكبة التطورات الكبرى في مجال حركة حقوق الانسان، ومنها ما يتصل في امكانية الموائمة بين هذه الوثيقة وبين الجوانب الخاصة بسيادة الدولة وقدرتها على ادارة شؤنها الداخلية بحرية وما ظلت تمثله فكرة السيادة من قيد يحد من جهود المجتمع الدولي في فرض ارادتها والتحول نحو نظم قانونية اشد الزامية من سابقاتها وذلك يرتبط ايضاً بإشكالية التوفيق في اطار هذا الاعلان بين مدارس فكرية متعددة لها رؤية قد تكون متعارضة حول الكثير من العناصر الجوهرية المرتبطة بفهم الموقف من الانسان وحقوقه وحرياته الاساسية، فضلاً عن الإشكالية المتمثلة بقدرة الاعلان على طرح نفسه كمدونة عالمية لها مرجعتيها القانونية في اطار القانون الدولي لحقوق الانسان.
منهجية الدراسة: سنعتمد في هذه الدراسة على المنهج القانوني التحليلي من خلال تحليل الاطار القانوني للإعلان العالمي لحقوق الانسان في منظور صلاحيته للاستمرار وقدرته على تشكيل مرجعية قانونية قيمية لحقوق الانسان وفرص المحافظة على بقائه في ظل مجتمع دولي معولم وفي ظل نتاجات القرن الحادي والعشرين وهذا التحليل سينصب على النصوص القانونية للإعلان وعلى ما وراء تلك النصوص.
هيكلية الدراسة: سنقسم هذه الدراسة الى ثلاثة مباحث اساسية نخصص الاول منها لمعالجة الخلفيات التاريخية والظروف والملابسات التي احاطت بوضع الاعلان والتصورات التي طرحت بخصوصه في تلك الفترة، اما المبحث الثاني فسيعالج التصورات المرتبطة بالخصائص والسمات المرتبطة بهذه الوثيقة في قراءتنا الخاصة بها، اما المبحث الثالث فسيكون مخصص لقراءات غير تقليدية لبعض المضامين المرتبطة بهذا الاعلان.
الاعلان العالمي - الطبيعة القانونية - الامم المتحدة - حقوق الانسان
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة