مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (111)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


27/12/2023 القراءات: 261  


أهمية التدوين:
قال السيوطي في كتابه "جنى الجناس" (ص: 184):
"قال الخليلُ بن أحمد: ما كُتِبَ قرَّ، وما حُفِظَ فرَّ".
***
جنية تزوج ابنتها لإنسي:
قال الشيخ محمد بن عبدالله الشبلي الدمشقيّ الحنفي (ت: 769) في كتابه «آكام المَرجان في أحكام الجان» (ص: 110):
"حدثنا القاضي جلال الدين أحمد [651- 745] ابن القاضي حسام الدين الرازي الحنفي -تغمده الله برحمته- قال: سفرني والدي لإحضار أهله من الشرق، فلما أجزتُ "البيرة" [مدينة في فلسطين] ألجأنا المطرُ إلى أن نمنا في مغارةٍ وكنتُ في جماعة، فبينا أنا نائمٌ إذا أنا بشيء يوقظني، فانتبهتُ فإذا بامرأة وسط في النساء، لها عين واحدة مشقوقة بالطول، فارتعبتُ، فقالتْ: ما عليك مِنْ بأس، إنما أتيتُك لتتزوج ابنةً لي كالقمر، فقلتُ لخوفي منها: على خيرة الله تعالى، ثم نظرتُ فإذا برجالٍ قد أقبلوا فنظرتُهم فإذا هم كهيئة المرأة التي أتتني عيونُهم كلها مشقوقة بالطول، في هيئة قاض وشهود، فخطب القاضي وعقد فقبلتُ، ثم نهضوا وعادت المرأة ومعها جاريةٌ حسناء إلا أنَّ عينها مثلُ عين أمها، وتركتها عندي وانصرفتْ، فزاد خوفي واستيحاشي، وبقيتُ أرمي مَن كان عندي بالحجارة حتى يستيقظوا فما انتبه منهم أحدٌ، فأقبلتُ على الدعاء والتضرُّع، ثم آن الرحيل فرحلنا، وتلك الشابة لا تفارقني، فدمتُ على هذا ثلاثةَ أيام، [وأنا مقبلٌ على الدعاء والتضرُّع]، فلما كان اليوم الرابع أتتني المرأة وقالتْ: كأنَّ هذه الشابّة ما أعجبتك وكأنك تحبُّ فراقها؟ فقلت: إي والله، قالتْ: فطلِّقها، ‌فطلقتُها، فانصرفتْ ثم لم أرهما بعد.
وهذه الحكايةُ كانت تُذكر عن القاضي جلال الدين فحكيتُها للقاضي الإمام العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن فضل الله العُمري -تغمده الله برحمته- فقال: أنت سمعتَها من القاضي جلال الدين؟ فقلت: لا، فقال: أريد أن أسمعها منه، فمضينا إليه، وكنتُ أنا السائل له عنها، فحكاها كما ذكرتُها إلى آخرها، فسأله القاضي شهابُ الدين: هل أفضى إليها؟ فزعم أنْ لا.
وقد ألحق القاضي شهابُ الدين هذه الحكاية في ترجمة القاضي جلال الدين في كتاب "مسالك الأبصار" بخطِّه على حاشية الكتاب". انتهى مصححًا.
وقد نقل العلماء هذه الحكاية: المقريزي في "المقفى الكبير" (1/ 217)، والسيوطي في "لقط المرجان في أحكام الجان"، الباب (30)، والداودي في "طبقات المفسرين" (1/ 36) والتميمي في "الطبقات السنية" (ص: 97) واللكنوي في "الفوائد البهية" (ص: 17).
***
دلالة على الخير وتعزية:
-أحمد عدنان الوتاري: السلام عليكم. توفي أخ للدكتور عمار الجعفري ليلة أمس، فإن أحببتَ تعزيته. (26/ 12/ 2023م).
-عبدالحكيم الأنيس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. جزاكم الله خيرًا، ذكّرتَ بفضلٍ، ودللتَ على خير.
-أخي د. عمار: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وعظم الله أجركم وأجر الأسرة في أخيكم، وأحسن عزاءكم، وربط على قلوبكم. ورحمه الله رحمة الأبرار. وغسله بالمغفرة من الأوزار. وأسكنه جنة تجري مِن تحتها الأنهار. هذا حال الدنيا... وفي حديث موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أنه طريقٌ مِيتاءٌ (طريقٌ مسلوكٌ) لحزنا عليك يا إبراهيم"، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
***
في التسعين:
قال العلامة المؤرخ المختار بن حامد الديماني يخاطب نفسه حين بلغ التسعين:
أصبحت كالرجز المجزوء والهزج ... والطُّويْوِيس يغدو تارة ويجي
وليس ذاك بالأمر العجيب على ... من عمره صار تسعونا من الحجج
وله في خاتمة احمراره على السلم في علم المنطق عند قول الأخضري
ولبني إحدى وعشرين سنة ... معذرة مقبـــولة مستحسنة
لاسيما في عــــــــــــــــــاشر القرون ... ذي الجهل والفساد والفتون
ثم لمن سنوه تسع عشره ... معذرة أخرى كتلك المعذرة
وبقبول الــــــــــــــــعذر هو أولى ... لاسيمــــــا سلخ جمادى الأولى
عـــــام ثلاثين وخمس أتتِ ... من بعد الألف وثلاث مــــــــــــــــئة
أحمد بن فال الشنقيطي.
***
لا تستقل شيئًا من البر:
قال ابن عبد البر رحمه الله: لا ينبغي للعاقل المؤمن أن يحتقر شيئًا من أعمال البر، فربما غُفر له بأقلِّها.‏ التمهيد (12/ 22).
أبو بكر الجابري.
***
من لطائف المشايخ:
كان لشيخنا الفاضل الشيخ إياد جهاد العزاوي حفظه الله مكتبة تجارية في المحلة الغربية في سامراء، اسمها (مكتبة الإمام الرواس) فيها كتب قيمة، وعطور شَمّاء زكية، يتجمع فيها العلماء وطلبتهم، فالشيخ إياد طيب الصحبة، أنيس المعشر، لا يمل جليسه.
وكان أحد أصحاب الشيخ قد أعجبه عطر لكنه كان غاليًا، وكان يسأل عنه دائمًا، وذات مرة جاء إلى المكتبة فقال للشيخ -وأنا موجود وأسمع- : يا شيخ رأيتك هذه الليلة في منامي قد أهديتني هذا العطر، فما تأويل رؤياي؟ فقال له الشيخ: أضغاث أحلام.
وليد فائق الحسيني.
***
حديث:
أنشدني الشاعر المتألق أحمد محمد عبيد مكاتبة:
حديثكِ يستعيد بيَ الحكايا ... ويسكب ما نبوح على رؤايا
‏ويسري بي دبيبًا لا يبالي ... تبعثرني الحروف أم الشظايا
وتسألني العروق عن اللواتي ... تركنَ لذاذةً بين الخطايا
وعما بعثرت روحي فعادت ... ليحملها الدبيبُ إلى الخلايا
‏لأنصت فالحروف تتوه لمّا ... تغادر ما تبقّى من بقايا
‏وتسألني حديثًا لم يزل بي ... ترجَّع في الصدى وترًا ونايا
تعاليْ فاقرئي ما فاض مني ... وما أودعتُه بين الزوايا
وما باحت إليكِ عن اشتهائي ... حديثًا سوف تشعله الحنايا
وما قلنا من الأشعار لمّا ... يهاديها الصباح إلى العشايا
وما فاضت لواعجُ غارقاتٌ ... بقلبي حين قاربني صِبايا
وقد بقيت حروفٌ تائهاتٌ ... تعود ولا تعود من الخفايا
تعالي في حديثكِ عن جموحي ... إذا زادت حروفك في هوايا
تركتِ بيَ الهوى يسمو حديثًا ... يسارق ما تبقّى من أسايا
وما منحَتْ أضالعُكِ الحيارى ... بقايا الخفق في قلبٍ سوايا
تعاليْ كلّنا صَبٌّ مَشوقٌ ... لأسئلةٍ تعاودها الرزايا
نبوح بها، ليختمنا حديثٌ ... يغادرنا على تالي الحكايا


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع