مدونة الدكتور محمد محمود كالو


لماذا نستغفر الله بعد الصلاة؟

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


11/08/2023 القراءات: 311  


لماذا نستغفر الله بعد الصلاة؟
الاسْتِغْفَار هو طلب المغفرة من الله جل جلاله بأجمل العبارات مع اقتران الطلب باسم الله تعالى.
عن ثوبانَ رضيَ اللهُ عنه مولَى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا انصرَفَ مِن صلاتِه، استغفَرَ ثلاثًا، وقال: اللهمَّ أنتَ السَّلامُ، ومنك السَّلامُ، تبارَكْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ) [رواه مسلم].
لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله تعالى عقب الصلاة؟
بحسب فهمنا القاصر، قد نظن أن الأولى بعد أداء الصلاة علينا أن نحمد الله تعالى ونشكره على أن هدانا لأداء الصلاة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الصلاة يستغفر الله تعالى ثلاث مرات.
لقد عبّر ابن القيم رحمه الله تعالى عن سبب ذلك بقوله: إنّ ذلك لشهود العباد على تقصيرهم في أداء الطاعة، وترك القيام بها على الوجه الذي يليق بالله تعالى، حيث يكون أرجى للاستجابة في هذه الأزمنة المباركة بعد الصلوات المكتوبة.
فالحكمة من الاستغفار بعد الصلاة والله تعالى أعلم، أن الإنسان لا يخلو من خلل وتقصير في صلاته؛ إذ بعضنا يأخذه الشيطان هنا وهناك، ويفكر في أمور الدنيا، وربما سها بعض الشيء، فبالاستغفار يجبر ما نقص في الصلاة؛ لسدِّ الخللِ الواقع فيها.
وبالاستغفار يُستجَابُ الدُّعاء، قال الله تعالى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود:61].
ولذلك جعل الاستغفار كفارة للمجلس، قال رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (مَنْ جَلَسَ في مَجْلس فَكثُرَ فيهِ لَغطُهُ فقال قَبْلَ أنْ يَقُومَ منْ مجلْسه ذلك: سبْحانَك اللَّهُمّ وبحَمْدكَ أشْهدُ أنْ لا إله إلا أنْت أسْتغْفِركَ وَأتَوبُ إليْك: إلا غُفِرَ لَهُ ماَ كان َ في مجلسه ذلكَ) [رواه الترمذي].
وهو تأسٍ بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام يستغفر الله تعالى في المجلس الواحد سبعين مرة، وفي رواية: مائة مرة، فعَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) [رواه مسلم].
والاستغفار مطلوب من المسلم بعد أداء العبادات والفرائض، ومن ذلك الاستغفار بعد الحج كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة :199]، وذلك لسدِّ الخللِ في الحج.
ولأن عند كثرة الاستغفار تنزل الرحمة الإلهية، قال الله تعالى: {يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46].
ومن فوائد الاستغفار كثرة الأرزاق في المال والولد وغيرهما، قال الله تعالى: {فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12].
فقد وعدهم الله تعالى على الاستغفار بخمسة أشياء: إنزال المطر، والإمداد بالأموال، والبنين، وجعل الجنات "البساتين"، وجعل الأنهار، لأن الاستغفار جَالبٌ للخَصْبِ والبركَةِ والنَّمَاءِ.
ولذا لما شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً؛ فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه؛ فقال له: استغفر الله. فقيل له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً، ثم تلا الآية الكريمة.
والاستغفارُ مَصْدرٌ للعِزةِ والقُوةِ، قال الله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
وبالاستغفار يدفع البلاء والعذاب، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
وللاستغفار فوائد جمة، إذ فيه تفريج كل الهموم والغموم، وإزالة لكل الكروب، وتيسير لكل عسير، ومخرج لكل ضيق، ورزق للعبد من حيث لا يحتسب، قال عليه الصلاة والسلام: (مَن لَزِمَ الاستغفارَ جعل اللهُ له من كلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، ومن كلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ورزقه من حيثُ لا يَحْتَسِبُ) [رواه ابن ماجه].
وأخيراً لا ننسى سَيِّدَ الاِسْتِغْفَارِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ. قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ) [رواه البخاري].
وسمي بسيد الاستغفار لأنه دعاء عميق في مضمونه، جامع شامل لجميع معاني الاستغفار والتوبة والإقرار بتوحيد الله تعالى، والاعتراف بنعم الله تعالى، والاعتراف بالقصور والعجز عن القيام بالواجب في حق الباري سبحانه، ويحتوي على مجموعة من الصيغٍ اللغوية الفاضلة والجميلة، والتي ترتقي بأعلى مستويات سؤال الغفران من الله جل جلاله، فلأجل كل هذا خصّه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المنقبة "سيد الاستغفار".
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا ذَنوبنا كُلَّهُ، دِقَّهُ وجِلَّهُ، وأَوَّلَهُ وآخِرَهُ وعَلانِيَتَهُ وسِرَّهُ، يارب العالمين.


الاستغفارـ غفارا، سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ، فاغفر لي، لزم الاستغفار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع