مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (158)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


02/03/2024 القراءات: 210  


-أبو حنيفة عند أبي نُعيم الأصبهاني:
كتب إلي أحدُ الإخوة الفضلاء هذا السؤال:
"شيخنا بارك الله فيكم.
أطالعُ في كتاب "حلية الأولياء" لأبي نُعيم الأصبهاني، فذكر كثيرًا من الأئمة، وذكر الأئمة الثلاثة، فبحثتُ عن الإمام أبي حنيفة فلم يذكره إلا في بعض الروايات المسيئة إليه.
هل اطلعتم على أحدٍ تكلم في ذلك؟".
***
فكتبتُ إليه:
لا يحضرني الآن أحدٌ أفرد هذا الموضوع بدراسة.
ولم يتعرض شيخنا الشيخ محمد عبدالرشيد النعماني في كتابه "مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث" لهذا.
لكن يُنظر "تأنيب الخطيب" للكوثري، ففيه ما يتعلق بالموضوع.
ويجبُ ألا يغيب عنا ما قاله أبو نُعيم عن الإمام أبي حنيفة في مقدمة "مسند أبي حنيفة" الذي صنعه له.
ثم إنه أثنى كثيرًا على داود الطائي وهو من تلاميذ أبي حنيفة.
وقد تابع ابنُ الجوزي في "صفة الصفوة" أبا نُعيم فلم يترجم أبا حنيفة.
وقد ترجمه في "المنتظم" ترجمة شديدة فيها نقدٌ كثيرٌ!
وخالفهما الإمام محمد بن الحسن الواسطي (ت: ٧٧٦) فترجمه ترجمة لائقة به في كتابه "مجمع الأحباب وتذكرة أولي الألباب" (٢/ ٣١٦-٣٣١) -وهو في أصله مختصر للحلية أيضًا-.
وفي مقدمته ثناءٌ على "الحلية" ونقدٌ له، قال في (١/ ٩١): "قد أطال (أبو نُعيم) فيه بالأسانيد، وتكرير كثير من الحكايات، وإيراد أمور كثيرة ليست بصحيحة، وأمور أخرى منافية لموضوعه، ورواية أحاديث ضعيفة جدًّا، وآثار واهية عن مجهولين وضعفاء ومتروكين، إلى غير ذلك مما يطول ذكرُه...". واقرأ تتمة كلامه فهي مهمة.
وسبقه إلى النقد ابنُ الجوزي في مقدمة "صفة الصفوة"، فانظر ما قال.
ويجب إحصاء ما ذُكر من روايات فيها ذكرٌ لأبي حنيفة في "الحلية" ودراسة أسانيدها قبل كل شيء، ثم يُنظر في المضمون.
ولا يمكن الحكمُ على موقف أبي نُعيم من أبي حنيفة إلا بعد جمع كل ما قاله ورواه عنه في كتبه كلها.
وهذه مقدمة «مسند أبي حنيفة رواية أبي نُعيم» لمن لا يحضره الكتابُ:
جاء فيه (ص: 17 - 23):
«ذكرُ ما انتهي إلينا مِنْ مسانيد حديث الإمام أبي حنيفة النعمان بن الثابت الكوفي فقيه أهل العراق ومفتيهم رحمه الله تعالى.
كان أبو حنيفة مولى تيم الله بن ثعلبة بن بكر بن وائل، ويُقال: مولى لبني بغل [كذا! والصواب: قفل]، وكان أول أمره خزازًا، يبيع الخز بالكوفة، وكان حينئذ يذكر عنه إقبالا [كذا] على العبادة والصلاة الكثيرة، ثم أقبل على التفقه، فلزم حماد بن أبي سليمان، وضرباءه من أصحاب إبراهيم النخعي، فعلم علم الشريعة، وتفقه في أصول الأحكام.
وكان ممن سلم له دقة النظر، وغوص الفكر، ولطف الحيل.
ولى القضاء للمنصور والصحيح أنه امتنع، وتوفي ببغداد ودفن بمقبرة الخيزرانية [كذا]، وتقدم في الصلاة عليه الحسن بن عمارة النخعي الكوفي، وذلك سنة خمسين ومئة.
حدثنا بذلك أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: قال أبي، وعمي أبو بكر: مات أبو حنيفة النعمان بن الثابت التيمي - تيم ربيعة - مولى لهم، توفي ببغداد سنة مئة وخمسين.
حدثنا محمد بن أحمد، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا نصر بن عبدالرحمن، قال: سمعت أبا نُعيم يقول: سمعت زفر بن الهذيل، يقول: كان أبو حنيفة رحمه الله يجهر بالكلام أيام إبراهيم جهرًا شديدًا، فجاء كتاب أبي جعفر - يعني - المنصور، إلى عيسى بن موسى، أن أحمل أبا حنيفة إلى بغداد فحمل، فعاش أيامًا ثم مات، في سنة خمسين ومئة، في شعبان، توفي وهو ابن سبعين سنة.
قال: وقال أبو نُعيم: يقولون: إنه سقاه شربة.
وقال بشر بن الوليد: فيما أخبرنيه عنه: إن أبا حنيفة مات في السجن، إذ أراده أبو جعفر أن يوليه، فأبى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل، فحلف أبو جعفر ثانية، فحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل، فقيل لأبي حنيفة: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف، فقال: أمير المؤمنين أقدر على كفارة أيمانه. فأمر به إلى الحبس فلم يزل في الحبس بهذه الحال، حتى توفي فيه.
حدثنا أبو إسحق إبراهيم بن عبدالله، ثنا محمد بن إسحق الثقفي ثنا يوسف بن موسى، ثنا أبو نُعيم، قال: ولد أبو حنيفة سنة ثمانين، وكان له يوم مات سبعين [كذا] سنة، ومات في سنة خمسين ومئة، وهو النعمان بن الثابت.
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا أبو جعفر محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: مات أبو حنيفة النعمان بن الثابت مولى تيم الله بن ثعلبة في سنة خمسين ومئة، وأخبرت أنه كان له سبعين [كذا] سنة.
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن عبدالله بن رسته، ثنا محمد بن عبدالله أبو زيد عبدالرحمن بن مصعب، قال: مات النعمان سنة خمسين ومئة، وكان أحد من يدعو إلى موالاة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى نصرتهم وإلى متابعتهم لذلك.
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو نُعيم، قال: سمعت عمار بن رزيق يقول: كان أبو حنيفة يكتب إلى إبراهيم - يعني - ابن عبدالله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فحثه [كذا والصواب: يحثه] على القدوم إلى الكوفة، بعد منصرفه.
حدثنا أبو أحمد الغطريفي، قال: سمعت الساجي، يقول: سمعت محمد بن معاوية الزيادي يقول: سمعت أبا جعفر يقول: كان أبو حنيفة اسمه: عتيك بن زوطرة، فسماه [كذا والصواب: فسمّى] نفسه: النعمان وأباه ثابتًا.
‌‌(ومن أخباره)
حدثنا إبراهيم بن عبدالله، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا الجوهري، ثنا أبو نُعيم، قال: كان أبو حنيفة صاحب غوص في المسائل.
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالله، حدثنا أبو العباس السراج، قال: سمعت محمد بن بندار الشيباني يقول: سمعت النضر بن الشميل يقول: سمعت بن عون يقول: بلغني أن بالكوفة رجل [كذا] يجيب في المعضلات - يعني - أبا حنيفة.
حدثنا أبو محمد بن حيان فيما قريء عليه، ثنا أبو العباس الحمال، حدثني أحمد بن أبي سريح يقول: سمعت الشافعي يقول: سأل [كذا] مالك بن أنس: هل رأيتَ أبا حنيفة وناظرتَه؟ قال: نعم رأيتُ رجلًا لو نظر في هذه السارية، وهي من الحجارة، فقال: إنها من ذهبٍ لقام بحجته - لفظ الشافعي -.
يتبع


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع