مدونة د. علي حفظ الله محمد


أهمية الحجاج في حياة المجتمع

الدكتور علي حفظ الله محمد | Dr. ALi Hifdallah Mohammed


28/08/2023 القراءات: 669  


أهمية الحجاج في حياة المجتمع:

اهتم الفلاسفة منذ القِدَمِ بتطوير مستوى الحجاج لدى الناشئة، حتى غدا تطوير القدرات الحجاجية لدى الناشئة من صميم انشغالاتهم المجتمعية في العهد القديم؛ لأن نموها بشكل جيد يتيح أولا للأفراد سرعة الاندماج في معترك الحياة السياسية، كما يمكّنهم ثانيا من الاندماج في المدينة المثالية بمختلف مستوياتها وفضاءاتها..

وفي مقابل ذلك، حالة انتفاء القدرات الحجاجية لدى الفرد، تنتفي معه المؤشرات الدالة على مواطنته الحقيقية؛ لأنه لا يمكن الحديث عن إنسان لا يملك الكفاية الحجاجية، بل إن الضمور في القدرات الحجاجية سبب في عجزه عن عرض رأيه في المقامات الحجاجية الحاسمة، والدفاع عنه بالحجج اللازمة، والإتيان على رأي الخصوم من الأساس بالإبطال..، أو حتى استمالة الحضور، ومتى وقع وحصل هذا العائق الخطابي..، ترتّب عنه عدم قدرة الفرد في الاندماج المجتمعي، وصعوبة التعايش الأسري نتيجة ما يلقاه ذلك الفرد من سخرية تنعكس سلبا على نفسيته فتسوء، ويصبح عند ذاك عاجزا عن التفكير الناقد، وعن فعل أي شيء يعبر به عن مقصوده بشكل جيد..

وعلى ذلك، لمّا أدركت بعض الدول الغربية أهمية الكفاية الحجاجية، اهتمت بالمناهح الدراسية وسارعت إلى تغييرها قصد تضمينها أساليب وطرائق تدعو الفرد إلى اكتساب الكفاية الحجاجية لتكون خير عونٍ له في عملية التواصل والخطاب، فكان ذلك الاهتمام ليس بالقليل، ففي كثير من العصور تتجلى ملامح الاهتمام به في ظواهر متعددة، منها ما أشرت إليه في العبارات الآنفة، ومنها ما يطمح إلى أكثر من الكفاية فيهتم برقي مستوى الخطاب في الحوار الحضاري الفاعل، الذي يدعم القول بالحجة، وينقض الرأي المخالف بالحجج المقابلة المضادة.

كما تختلف درجة الاهتمام به من مجتمع إلى آخر، وذلك حسب درجة الوعي بأهمية تضمينه في المناهج الدراسية سواء في المستويات الأولى، أو في مستويات متقدمة، لِما له من أهمية تربوية تمكّن الفرد من اكتساب مهارات التفكير، واكتساب القدرة النقدية، والاستدلالات المجردة غير الصورية.

إضافة إلى ذلك فقد أصبح الحجاج من متطلبات العصر ومقتضياته، نتيجة كثرة انتشار الخطابات الإعلانية(الإشهارية)، فضلا عن تقدم وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة، واحتكاك الفرد بها على مدار اليوم الواحد، ما يحتم ضرورة اكتسابه مهارات التفكير الناقد، والاستدلال بالحجة الحاسمة في وقت الدفاع.

أما مستوى الاهتمام بالحجاج في جذوره العربية فمنهم من أرجعها إلى ارتباط قول الشعر بعالم الخيال، وهذا أقدم من علم الكلام، والنحو، والبلاغة، ومنهم أرجعها إلى علم النحو وتقعيده، ونشوء البلاغة، وعلم الكلام والاعتزال، فمنذ القرن الثاني الهجري زاد اهتمام العرب بتطوير قدراتهم الحجاجية لمقارعة الخصوم والإتيان على آرائهم من الأساس بالإبطال، والاستدلال بالحجة الحاسمة في وقت الدفاع.

استمر العرب على هذا النهج بالاهتمام بالكفايات الحجاجية على مر العصور إلى يومنا هذا، وما يمكن أن يلحظه الفرد من ظواهر هذا الاهتمام ما يتجسد في المؤلفات العربية التي أُلِّفت قصد الرد على مدعي الشبهات والبدع والخرافات في كل العصور، وكذلك المناظرات التي كانت تعقد بين العلماء، فخرجت في مؤلفات تحتوي من الحجاجية ما يكفي حسب قدراتهم ومستوى تقدم وعيهم حسب الزمان المكان.

وما يمكن للفرد أن يلحظه في عصرنا هذا هو مدى الاهتمام العلمي بالحجاج الذي يتجسد في كثرة الدراسات والبحوث التي تخوض في هذا المستوى، من جهة الجانب العلمي البحثي الصِّرْف.

أما من جهة اكتساب المهارات الحجاجية، والتفكير الناقد، فتستطيع أن تلحظ ذلك في أغلب الشعوب العربية وبخاصة لدى الناشئة من الأطفال السن المدرسية، فتجده ذا قدرة كبيرة في أداء التعبير الكلامي، دون خوف، أو تردد، أو عي، أو أي من عيوب الكلام التي كان يتصف بها من لم يعتاد الخطابة، وهذا يرجع بدرجة رئيسة إلى مستوى الوعي الذي تشكّل لدى الفرد منذ الولادة، ثم الروضة، ثم المدرسة، وما يليها من مستويات تعليمية، صاحب كل هذه المراحل شتى وسائل التعليم الصوتي، والحسي، والبصري، فضلا عن مستوى تقدم هذه الوسائط والوسائل التعليمية التي كان لها حظ وافر في تشكيل قدرات الفرد العقلية، وكفايته الحجاجية، واكتسابه مهارات التواصل والخطاب، وحسن الأداء فيهما.


الحجاج، المجتمع، الحياة.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع