مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
أين حس المبادرة فينا؟ أ. د. محمد محمود كالو
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
12/12/2022 القراءات: 763
أين حس المبادرة فينا؟
تمتلئ الحياة بفرص الخير ومجالات التقدم، ويمتلك كل إنسان من القدرات والاستعدادات ما يؤهله لاقتناص تلك الفرص، وارتياد تلك المجالات، لكن الناس يتفاوتون في الانتباه لها والمبادرة نحوها.
والمتدبر للقرآن الكريم والسنة النبوية يلحظ العناية الكبرى في إعداد الأمة وتربيتها على خلق المبادرة، فبالمبادرة للخير يتحقق رضا الله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طـه: 84].
وبالمبادرة تفتح لك أبواب الجنان: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133].
والمبادرة في اللغة العربية تعني: المسابقة والمسارعة، قال ابن منظور في لسان العرب: "المسارعة إلى الشيء المبادرة إليه".
فالمبادرة هي المسابقة على الخير؛ فكراً أو قولاً أوفعلاً، ناتجة عن انفعال ذاتي؛ يترجم إلى عمل مثمر لصالح الأمة.
بادر الفرصة واحذر فوتها
فبلوغ العز في نيل الفرص
واغتنم عمرك إبان الصبا
فهو إن زاد مع الشيب نقص
وابتدر مسعاك واعلم أنَّ من
بادر الصيد مع الفجر قنص
ونجد أن القرآن يحث على المبادرة قال الله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148]. والمسارعة إلى الشيء المباردة إليه، فكن مبادراً إذا أردت أن لايسبقك إلى الله تعالى أحد.
ونلحظ من خلال الآيات القرآنية أن توجيه الخطاب إلى الجمع وليس إلى الفرد فقط، لأن المطلوب أن تكون صفة المبادرة سمة للمجتمع كله في مسيرته ومواقفه.
ولذلك في أكثر من آية كريمة يشجع القرآن الإنسان أن يتطلع إلى أن يكون الأول في طريق الخير والصلاح، وذلك لا يتم إلا بامتلاك روح المبادرة، والأوائل دائماً هم المبادرون.
يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام:14].
ويقول سبحانه وتعالى حكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الزمر:12].
ويقول تعالى حكاية عن كليمه موسى عليه السلام: ﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف:143].
ويبين القرآن الكريم الفرق العظيم بين من بادر وبين من سوَّف وأجَّل، فيقول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10].
بل إن من صفات المنافقين التسويف والتثاقل وعدم المبادرة {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [النساء: 142].
فأين حس المبادرة فينا؟
والسنة مليئة بالنصوص التي تحث على المبادرة والمسارعة إلى فعل الخير، فقد جاء الحض على هذا المعنى الطيب فيما رواه مسلم عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ).
وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بادِرُوا بِالأعمالِ سبعًا، هل تَنظُرُونَ إلَّا فَقرًا مُنْسِيًا، أو غِنًى مُطْغِيًا، أو مَرَضًا مُفسِدًا، أو هَرَمًا مُفَنِّدًا، أو مَوتًا مُجْهِزًا، أو الدَّجالُ، فشَرُّ غائِبٍ يَنتَظِرُ، أو الساعةُ، فالساعةُ أدْهَى وأمَرَّ).
وكذلك سيرة السلف الصالح كلها مبادرات، فهذا أبو بكر الصديق رصي الله عنه في أول يوم من أسلامه خرج يدعو إلى الله تعالى مباشرة حتى عاد ومعه أربعة من العشرة المبشرين بالجنة. وكل حياته ومواقفه ذات أثر في الدين.
وهناك معنى آخر للمبادرة ثبت في الشرع وهو معنى جميل وقد يكون داخلاً على العموم في المعنى الإجمالي، ولكن ننبه عليه هنا لأهميته ألا وهو معنى (الإيجابية) بمعنى أن يكون للإنسان دور في الحياة، ودور في خدمة الدين وخدمة البلاد والعباد؛ فإن الإسلام لا يعترف بالإنسان الكسول الخامل الذي لا قيمة له ولا عمل ولا أثر، حتى قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: “إنِّي لأكره أنْ أرى أحدكم سَبَهْلَلاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة”، والسبهلل معناه الفارغ.
والعجب أن يكون خلق المبادرة في الحيوان إيجابياً، فلقد ضربت نملةُ سليمان مثلاً للإيجابية وأثرها في استنقاذ أمة بأكملها من الهلاك، فقد كان يمكن لهذه النملة أن تذهب وحدها بعيداً فتنقذ نفسها، ولكنها آثرت أن يكون لها دور في إنقاذ أمتها من النمل فنبهتهم واستنقذتهم.
وكذلك هدهدُ سليمان كان له الفضل بتوفيق الله تعالى له في استنقاذ مملكة سبأ كلها من الشرك والكفر والنار، وهذه ثمرة للإيجابية.
وكان للإيجابية أيضاً دورها في نجاة أقوام ودخولهم في الإسلام على يد رجل واحد آثر أن يكون له دور، وقد ودع الخمول والكسل، كما حدث مع الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه الذي آمنتْ قبيلة دوس كلها على يديه ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه.
ومن قرأ عن غزوة الخندق (الأحزاب) علم دور نعيم بن مسعود الثقفي رضي الله عنه في تخذيل الكافرين وإضرام نارِ الوقيعة بين المشركين واليهود، مما كان له أكبر الأثر في إنهاء هذا الحصار وانتصار المسلين، هذا مع أنه لم يكن قد أسلم إلا منذ سويعات قليلة فقط.
وأخيراً: هناك كثير من المسابقات والمبادرات التي ندفنها لأسباب واهية، بسبب خشيتنا من ردود أفعال الآخرين: ماذا سيقول الناس عني؟
أخي: سيقولون عنك بأنك جميل وعظيم ورائع، لكن دعهم يرون شيئًا من مبادراتك، فأمتنا الإسلامية تنتظر منا أن نكون من المبادرين في أمور الدين والدنيا.
حس المبادرة، المسارعة، المسابقة، سارعوا، الأوائل
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع