رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (127)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
13/01/2024 القراءات: 543
ليال فاضلة:
قال الإمام الشافعي في كتابه "الأم" (1/ 264): "بلغنا أنه كان يُقال: إن الدعاء يُستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة. وليلة الأضحى. وليلة الفطر. وأول ليلة من رجب. وليلة النصف من شعبان.
وأخبرنا إبراهيم بن محمد قال: رأيتُ مشيخة من خيار أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العيد فيدعون ويذكرون الله حتى تمضي ساعة من الليل.
وبلغنا أن ابن عمر كان يحيي ليلة جمع. وليلة جمع هي ليلة العيد لأن صبيحتها النحر.
وأنا أستحبُّ كل ما حكيتُ في هذه الليالي مِنْ غير أن يكون فرضًا". انتهى بتصرف يسير.
***
الوضع يكشف نفسه:
المؤلِّف (خ) كشف نفسه من حيث أراد أن يعمي عليها، كانت طريقته أن يضع كتبًا، ثم يضع أخرى، ويجعل في الثانية نقولًا عن الأولى ليثبتَ أنها كتبٌ معروفةٌ متداولةٌ مذكورةٌ، وهكذا... وبهذه الطريقة انكشفتْ حقيقةُ الكتب الأولى، وحقيقةُ الكتب الثانية التي نجد فيها ذكرًا للأولى ونقولًا عنها.
في بداية الأمر كنتُ أستهولُ دراسة ذلك التراث الضخم الذي صدر عن ذلك المؤلف وفليه والتدليل على أنه منحول أو مدخول، ثم توصلتُ إلى أن الأمر أسهل ممّا كنت أظن. وبهذا الدليل تهاوى الكثير من الكتب. والله المستعان.
***
وفاة الدكتور العبوسي:
انتقل إلى رحمة الله اليوم (الجمعة 30 من جمادى الآخرة سنة 1445) الأستاذ الدكتور منذر عبدالرزاق سبع العبوسي أستاذ اللغة الإنكليزية الأسبق في الجامعة الإسلامية ببغداد، وقد زاملتته في التدريس فيها.
كتب الدكتور عبدالحكيم السعدي عميد قسم الفكر والدعوة والعقيدة، ونائب رئيس جامعة صدام للعلوم الإسلامية سابقًا: "بلغني قبل قليل وفاة علم من أعلام تدريس اللغة الإنجليزية الأستاذ منذر العبوسي. وقد اخترتُه لتدريس اللغة الإنجليزية في جامعة صدام للعلوم الاسلامية أيام ازدهارها في التسعينات، فكان خير معلم ومؤدّب، يحمل من الخلق الاسلامي ما لا يحمله الكثير ممن يدعون الإسلام... عقيدة سليمة، وخلق رفيع، وتعاون منقطع النظير، حتى كنت أعتمده في أهم اللجان من مثل (صندوق إعانة الطلبة) الذي يحتاج إلى الأمانة والدقة في العمل، فكان خير معين لي على هذه المهمة وغيرها، ولم أسمع منه يومًا ما لفظًا نابيًا، ولم يتكلم إلا بما يسر، ولم أر منه إلا ما يرفع الرأس شموخًا، وعلاقته مع طلابه وزملائه والمشايخ علاقة الود والاحترام. رحم الله أخانا منذر العبوسي وأسكنه فسيح جناته".
وقال د. رواء محمود حسين – أمريكا: "كان من أول الأشخاص ممن فتح عيوني على أهمية اللغة الإنكليزية".
قلت: وقد كان بيني وبينه مراسلات، فحين نشرتُ في (3/ 3/ 2019) هذه الكلمة:
(🌴 كُفّ لسانك:
من الأئمة المُحدِّثين: أبو يسار عبدالله بن أبي نجيح يسار المكي، الثقفي مولاهم، المتوفى سنة ١٣١، وهو ممن أخرجَ حديثَه الأئمةُ الستةُ في كتبهم. ومِنْ فضائله ما وُصِفَ به بأنه مكثَ ثلاثين سنة لا يتكلَّم بكلمةٍ يُؤذي بها جليسَه.
روى هذا الوصفَ الإمامُ البخاريُّ في كتابيه "التاريخ الأوسط" (٣٥٤/٣)، و"بر الوالدين" (٤٣).
وهذا وصفٌ رفيع بديع، دالٌّ على عقلٍ رجيح، وحلمٍ فسيح، وضبطٍ ومراقبةٍ للسان، وسلامةٍ وطهارةٍ في الجَنان.
ومَنْ كان هكذا فهو من العقلاء، ومَنْ أطلق لسانَه وآذى الناس، وجرحَ مشاعرَهم، وأسمعَهم ما يَكرهون فهو معدودٌ في السُّفهاء... ونسألُ اللهَ العافية).
كتب إلي د. منذر -رحمه الله- قائلًا: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعدُ: فقد نشرتُ هذه التحفة إلى كل إخواني وأحبابي، فجزاك الله خيرًا أخي الحبيب".
وحين نشرتُ في (6/ 4/ 2019):
(🌴 قال عبدالرحمن السميط في آخر أيامه: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما عملتُ في إفريقية بغير التعليم").
كتب إليَّ قائلًا: "نعم، التعليم مهنة الأنبياء والمرسلين، ولذا فضلتُّ التدريس في جامعة صدام للعلوم الإسلامية على أي مكان في الخارج، وأنتم سبقتموني بهذا، حفظكم الله ورعاكم أخي الكريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
وأرسل إليَّ في (1/ 5/ 2019) صورة فيها: اللهم بلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين، وقال: ما رأيكم بهذه؟ وشكرًا.
قلت: جميلة.
قال: وما رأيك بالعبارة: "لا فاقدين، ولا مفقودين"؟
قلت: لا حرج فيها، هي دعوة بطول العمر.
فقال: جزاكم الله خيرًا.
وحين نشرتُ في (9/ 7/ 2019) هذه الكلمة:
(🌴 هذا الجيل:
عجبًا لهذا الجيل ما يصدّق أن ينتهي العام الدراسي حتى يتوجه للتحلل من كل التزام...
لا يمسك كتابًا، ولا يسمع تسجيلًا نافعًا، ولا يزداد علمًا في تخصصه، ولا يدخل ناديًا، ولا يحب أن يحضر محاضرة علمية، أو درسًا دينيًّا...
ولا تراه إلا مطرق الرأس على هاتفه، غير مهتم بما يجري حوله.
ما مستقبل العلم في بلادنا؟
أجتمعُ مع شباب كثيرين ويؤسفني أنني لا أسمعُ منهم بيت شعر، ولا مثلًا، ولا حكمة، ولا قصة تاريخية.
ولا أسمعُ منهم أنهم اقتنوا كتابًا، أو نالت إعجابهم رواية، أو استمتعوا بديوان شعر، أو عكفوا على كتاب علمي...
ولا أسمعُ منهم أنهم سعوا إلى زيارة عالم، أو أديب، أو كاتب...
وإذا اتفق أن رأوا جريدة فإنهم لا يأخذون سوى الملحق الرياضي، ولا يهمهم ملحقٌ صحي أو ثقافي.
وتراهم يقضون ساعات طوالًا مع جوالاتهم، وإذا سألتَهم ماذا كنتم تعملون؟ قالوا: نتصفح بعض المواقع.
بصراحة إن الجلوس مع صنفٍ كهؤلاء فارغ لا قيمة له.
والكثير لا يشارك في حديثٍ جدّي، ولا يملك تقديم رأي أو رؤية!
أعود وأسأل: ما مستقبل الشباب في بلادنا خاصة في ظل التساهل في أنظمة التعليم وشيوع التعليم الخاص الذي يفكّر في الكسب المالي ولا يفكر في مستوى الطلبة؟
الخواء يعم في كل مفاصل حياتنا... وأظن أني لستُ متشائمًا).
كتبَ إليَّ -رحمه الله- قائلًا: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فهذا يطابق كلَّ ظنوني، ويحسبونني متشائمًا، لأنهم لا يودون سماع الحقيقة، وجزاكم الله خيرًا".
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة