رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (99)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
13/12/2023 القراءات: 567
لله تسعة وتسعون اسمًا:
روى ابن الجوزي في كتابه "روضة الناقل" (29-33) بإسناده "عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
«لله تسعةٌ وتسعون اسمًا، مئة إلا واحدًا، مَنْ أحصاها دخلَ الجنة، إنَّهُ وترٌ يحبُّ الوترَ». هذا حديثٌ صحيحٌ أخرجه البخاري ومسلم. وفي لفظٍ: «إن لله تسعةً».
قال الخطّابي [في "شأن الدعاء" ص 23- 29]: وفي هذا الحديث إثباتُ هذه الأسماء، وليس فيه نفيُ ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقعَ التخصيصُ بهذه الأسماء لأنَّها أشهرُ الأسماء، وأبينها معانٍ، فجُملة هذه الحديث قضيَّةٌ واحدة، لا قضيتان، فتمامُ الفائدةِ في خبر إنَّ في قوله: "مَنْ أحصاها دخلَ الجنة"، لا في قوله: "إنَّ لله تسعة وتسعين اسمًا"، وهذا بمنزلة قولك: "إنَّ لزيدٍ مئة درهمٍ أعدَّها للصدقة"، فليس يدلُّ ذلك على أن ليس عندَه مِنَ الدَّراهم أكثر من ذلك، وإنِّما يدلُّ على أنَّ الَّذي أَعَدَّهُ للصَّدقةِ هذا.
ويَدُلُّ على هذا التَّأويل حديثُ ابن مسعودٍ:
«أسألُك بكل اسمٍ هو لك سمِّيتَ به نفسكَ، أو أنزلتَهُ في كتابك، أو علَّمْتَه أحدًا من خلقكَ، أو استأثرتَ بهِ في علم الغيب عندك». فهذا يدلُّ على أنَّ لله أسماء لم يُنزلْها في كتابه، حجَبَها عن خلقهِ.
وفي قوله: «إنَّ لله تسعة وتسعين اسمًا» دليلٌ على أنَّ أشهر الأسماء وأعلاها في الذكر "الله"، فلذلك أُضيفتْ الأسماءُ إليه.
وفي معنى قوله: «مَنْ أحصاها» أربعةُ أقوال:
أحدُها: أنَّ معنى الإحصاء العَدُّ، يريد أنَّهُ يعُدُّها ليستوفيها حفظًا، ويدلُّ عليه ما رُويَ في بعض طرُق الصحيح: «مَن حَفظها دخلَ الجنَّة». [قال ابن الجوزي في "الحدائق" (1/39): "وهو أثبتُ الأقوال"].
والثاني: أن يكون الإحصاءُ بمعنى الطَّاقة، ونظيرُه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «استقيموا، ولن تحصوا»، أي ولن تطيقوا، فمعناه: مَنْ أطاقَ العمل بها، وبيانُه أنَّ مَنْ أسمائه السَّميع، فالعملُ بذلك الحياءُ منه، ومنها البصيرُ، فالعملُ بذلك حُسْن الأدب بموضع نظره، وعلى هذا سائر أسمائه. [قال في "الحدائق" (1/40): "وهذا الوجهُ اختيارُ ابن عقيل"].
قال بعضُ العلماء [هو الربيع بن خُثيم. انظر: صفة الصفوة، وهذا القول مِنْ إضافة ابن الجوزي على كلام الخطابي]: إذا تكلَّمتَ فاذكرْ مَنْ يَسمعُ، وإذا تفكَّرتَ فاذكرْ مَنْ يَعلمُ، وإذا نظرتَ فاذكرْ مَنْ يَرى.
والثالث: أن يكون الإحصاءُ بمعنى العقل والمعرفة، فيكون المعنى: مَنْ عقلها وعَرَفَ معانيها، فيكون مأخوذًا من الحصاة وهو العقل، والعربُ تقول: فلان ذو حصاةٍ، أي ذو عقلٍ، قال طَرَفة:
وإنَّ لسانَ المرءِ ما لم يكنْ لهُ ... حصاةٌ على عَوْراتِهِ لدليلُ
الرابع: أن يكون المرادُ من الحديث: مَن قرأ القرآنَ حتَّى يختمه، ليستوفي هذه الأسماء في أضعاف التلاوة، فكأنَّه يُشيرُ إلى أنَّ مَنْ حفظَ القرآنَ دخلَ الجنة، لأنَّ الاسماءَ في القرآن، ذكره أبو عبدالله الزبيري. [ا.هـ].
فلما كان في بعضِ طرقِ الصحيح: أنَّ معنى الإحصاء الحفظ، ذكرتُها ها هنا؛ لتحفظ، وهي: الله، الرَّحمن، الرحيم، الملك، القدُّوس، السّلام، المُؤمن، المُهيمن، العزيز، الجبّار، المُتكبِّر، الخالق، البارئ، المُصوِّر، الغفار، القهار، الوهاب، الرَّزاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المُعِز، المُذل، السميع، البصير، الحَكم، العَدْل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المُقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرَّقيب، المُجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المَجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المُحصي، المُبدىء، المُعيد، المُحيي، المُميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المُقتدر، المُقدِّم، المُؤخِّر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المُتعال، البَر، التوّاب، المُنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المُقسِط، الجامع، الغني، المُغني، المُعطي، المانع، الضارُّ، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور".
***
تسع وتسعون نعجة:
قال ابن الجوزي في تفسير قصة داود عليه السلام في «زاد المسير» (7/ 115- 117):
"وقد اختلف المحقِّقون في ذنبه الذي عُوتب عليه على أربعة أقوال:
أحدها: أنه لمّا هَويهَا، قال لزوجها: تحوَّلْ لي عنها، فعُوتب على ذلك ...
والثاني: أنه تمنّى تلك المرأة حلالًا، وحدَّثَ نفسه بذلك ...
والثالث: أنه لمّا وقع بصرُه عليها، أشبع النَّظر إليها حتى عَلِقَتْ بقلبه!!
والرابع: أن أوريا كان قد خطب تلك المرأة، فخطبها داودُ مع عِلْمه بأن أوريا قد خطبها، فتزوَّجَها، فاغتمَّ أوريا، وعاتب اللهُ تعالى داوَدَ إذْ لم يترُكْها لخاطبها الأوَّل واختار القاضي أبو يعلى هذا القول، واستدل عليه بقوله تعالى: وعَزَّنِي في الخطابِ، قال: فدلَّ هذا على أن الكلام إنما كان بينهما في الخِطْبة، ولم يكن قد تقدَّم تزوُّج الآخَر، فعُوتب داودُ عليه السلام لشيئين ينبغي للأنبياء التَّنَزُّه عنهما:
أحدهما: خطبته على خطبة غيره.
والثاني: إِظهار الحِرْص على التزويج مع كثرة نسائه، ولم يعتقد ذلك معصية، فعاتبه الله تعالى عليها.
قال: فأمّا ما رُوي أنه نظر إِلى المرأة فهَويَها وقدَّم زَوْجَها للقتل، فإنه وجهٌ لا يجوز على الأنبياء، لأن الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العِلْم بها".
ومع هذا قال ابن الجوزي في كتابه "الخواتيم" (ص: 61): "كان قد أُعطِيَ نعمةَ نغمةٍ يقفُ لها الماءُ والطيرُ، فامتدَّتْ يدُ الغفلةِ فقدَّتْ قميصَ العصمةِ، فأثّر زَلَــلُــهُ حتى في التلاوةِ.
أعرضَ الـمِعْمارُ عن الـمُراعاة، فتشعَّثَ منزلُ الصفاءِ، وانقطعتْ جامِكيةُ العسكرِ، فتفرَّقتْ جنودُ (أوّبي)".
***
عاشوا (99) سنة:
قال ابن الجوزي في "أعمار الأعيان" (ص: 89-90): "توفي أنس بن مالك وهو ابن تسع وتسعين. وكذلك أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، وكان قد ولد له ولد بعد ثلاث وثمانين سنة. وكذلك عاش أبو العباس الأصم المحدّث. وأبو الحسن بن العلاف".
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة