مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
نورٌ أضَاءَ.. فبَدَّدَ الظلماءَ
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
14/09/2024 القراءات: 183
نور أضاء.. فبدد الظلماء
بينما الإنسانية نائمة نومة الغفلة، راقدة رقدة الجهالة، ضالة في صحراء الحياة، إذ فجَّر الفجْر نهْر النهار، وسُلَّ سيف الفجر من غمد الظلام، وتعرّى الليل من ثوب الغلس، وأشرقت الأرض بنور ربها، فولد سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم..
نـور أضـاء فبـدد الظلمـــاء
والكون أصبح باسماً وضّاء
يا نور أحمد في جلالك روعة
اللـه كــرم نــوره وأضــــاء
تتبعثر الكلمات، وتتناثر الحروف، وتتيه العبارات، يحار العقل والفكر، ويخفى الوصف والذكر، ماذا تعبر عن الشمس في رابعة النهار، وعن القمر في جنح الظلام، وعن العلم في غمرات الجهل، وعن الحب في سيول القسوة، وعن الأمل في محيط اليأس، وعن الدنيا كلها .. الدنيا بأسرها في كوكبها..
جعلت حياتك للزمان ربيعا
ومشى بشيرك في الأنام مذيعا
الله أكــبر حين نادى قائلاً
ولدت أمينة للأنام شفيعا
في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول في أشهر الأقوال، عزفت الدنيا نغمتها، ورقصت الأرض فرحاً بمقدم سيدها، وقد أضيئت الشام بقصورها، وأخمدت النار التي يعبدها المجوس، وسقطت أربعة عشر شرفة من ديوان كسرى..
في مثل هذا الشهر، رحم الله تعالى البشر بميلاد سيد البشر أبي الزهراء، وأشرف الأنبياء، وأصفى الأتقياء، وأرفع الأولياء، نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه..
بمحمدٍ دامت لنا الأفراح
وقلوبنا في ذكره ترتاح
فإذا تلونا ذكره وحديثه
دارت لنا بشرابه الأقداح
سلام عليك يارسول الله ما برق نور في ظلماء، وتلألأ ضوء في سماء، وهطل طل في صحراء، ونبت زرع في بيداء.. سيدي أبا القاسم يا رسول الله.. صلوات الله وسلامه عليك..
في يوم مولدك الميمون ما طلعت
شمس على مثله فضلاً ولم تغبِ
محمد وخصال الحمد قاطبة
إليه نسبتها يا أكرم النسبِ
كل إنسان يولد مرتين:
الأولى: ولادة مادية يوم خروجه من بطن أمه إلى الدنيا.
والثانية: وولادة معنوية حقيقية يوم تعرف على النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآمن به وتشرف باتباعه.
فلنحي ميلاد أنفسنا بمزيد من التعرف والارتباط والولاء والاتباع لدرة الكون ورسول الإنسانية وفخرها وسر سعادتها، من أنقذنا الله تعالى به من الضلالة، ورفعت به عُمُد الفضيلة، نشهد أنه قد بلّغ الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله تعالى حق جهاده.
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
يَـومٌ يَـتـيهُ عَلى الزَمانِ صَباحُهُ
وَمَـسـاؤُهُ بِـمُـحَـمَّـدٍ وَضّاءُ
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد حامل العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
فإن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرة وبصلوات الله وملائكته يخرج العباد من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور) فكلما أكثرنا من الصلاة عليه استنارت قلوبنا بنوره.
فطوبى لعبدٍ صلى عليه وسلم وقد تعلّق قلبه بحب حبيب الله واستطاب لسانه بذكر من قد رفع الله ذكره واستنارت بواطنه بنور الاتباع يوصل إلى محبة الله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).
فهل الجذع أولى بالحنين مِنّا إليه؟! وهل جبلُ أحد أحقُّ بالفرح منا به؟! نحن الذين قد شرّفنا الله تعالى بأن جعلنا من أمته وخصّنا برحمته وكرّمنا بالانتساب لدعوته ورسالته، وقد اشتاق هذا الحبيب يوماً إلينا فقال: وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ..!! فكيف يشتاقُ إلينا ولا نشتاقُ إليه؟!
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ :
(السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ. وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا. قَالُوا: أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) [رواه مسلم].
يا سيدي يا رسول الله.. نبثُّ إليك في ذكرى يوم مولدك أشواقنا وآهاتنا..
أشواقنا التي هي من معين أشواقك إلى إخوانك الذين ما رأيتَهم ووددتَ رؤيتهم، ومن حرصك وحبك لهم، ومن خوفك ولهفتك عليهم .
وآهاتنا مما ألمَّ بأمتك التي سَلَكتَ بها مسالكَ الهدى، وحذرتها من طرق الغواية والردى، وخِفْتَ عليها من كل أذى..
لكننا نعلم يقينا أننا لما هان علينا دين الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، هُنَّا على الله تعالى وعلى البشر، وأصبحنا غثاء كغثاء السيل، بعد أن كنا جبالاً لا تزعزعه الأعاصير، وسلَّط الله علينا عدوّنا، فتداعوا علينا غيلان أصقاع الدنيا.. قتلاً وتشريداً ونهباً وسلباً واغتصاباً، اللهم ردنا إلى ديننا رداً جميلاً يارب.. وكل عام ونحن جميعاً إلى الله أقرب..
نور أضاء، فبدد الظلماء، ولد الهدى، يوم المولد، ربيع الأول
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع