مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين : ميمونة بنت الحارث (رضي الله عنها)(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


26/04/2023 القراءات: 207  


وكان قد بقي في مكة عدد من المسلمين المستضعفين ومنهم ميمونة (رضي الله عنها).
خلوا بني الكفار عن سبيله
دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة فرحاً، وكذلك أصحابه، وعبد الله بن رواحة (رضي الله عنه) آخذ بزمام ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القصواء فكان يرتجز الشعر.
فأراد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أن يمنعه من ذلك، فنهاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقاله له:
دعه يا عمر، والله لوقع كلامه أشد عليهم -أي المشركين- من ضربات الحسام، ووقع السهام…!
فاستمر عبد الله يرتجز ويردد:
خلوا بني الكفار عن سبيله
يا رب إني مؤمن بقيله
نحن قتلناكم على تأويله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله
خلوا فكل الخير في رسوله
أعرف حق الله في قبوله
كما قتلناكم على تنزيله
ويذهل الخليل عن خليله
وكانت ميمونة (رضي الله عنها) تنظر إلى ذلك وتستمع، فيكاد قلبها يقفز من بين جناحيها، إعجاباً وحباً.
وطاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين وسعى، ونحر الهدي، وحلق رأسه الشريفة، وأتم مناسك العمرة. وأقام مع أصحابه ثلاثة أيام.
وقد دخل إليها القسم الذي كان خارجها حارساً، وخرج القسم الذي أدى المناسك.
ميمونة تعرض نفسها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
لقد كانت ميمونة (رضي الله عنها) إلى عهد قريب مؤمنة تكتم إيمانها، فإذا بهذا الإيمان يتفجر كالبركان عند رؤية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهوت بكليتها إليه، وأعلنت رغبتها على الملأ، ولم تقف عند هذا الحد، بل طلبت إلى العباس زوج أختها أم الفضل أن يعرض الرغبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن تكون ميمونة له زوجة..
موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ومن غير تردد ولا إبطاء قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا العرض، لماذا؟ لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول فيها وفي أخواتها “الأخوات المؤمنات”، وذلك من خلال تعاطفهن مع الدين الحنيف منذ أن أشرق فجره وعم ضياؤه. أضف إلى ذلك أنها (رضي الله عنها) قد تأيمت حديثاً، وأنها هي التي أبدت رغبتها… وتم العقد، وأصدقها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كمثل غيرها من نسائه أربعمائة درهم.
اخرج عنا..!
وكانت مدة الأيام الثلاثة التي نص عليها صلح الحديبية قد انقضت، فأرسل القرشيون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقولون: لقد انتهى أجلك، فاخرج عنا.. فابتسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لرسولهم: ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه؟ إذ أراد عليه الصلاة والسلام أن يتخذ من زواجه من ميمونة ذريعة لإطالة مدة إقامته، ودعا إلى الوليمة أكابرهم وزعماءهم، فأبوا أن يحضروا، بل قالوا في إصرار: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا. قالوا ذلك وهم يتوجسون خيفة من بقائه أكثر من ذلك، لأنهم أدركوا ما تركته زيارته هذه من أثر في بعض النفوس والعقول. إذ انتفض المستضعفون، وتكاثر المؤمنون، والتف الكثيرون حوله. وها هي ميمونة بنت الحارث إحدى أبرز سيداتهم لا تكتفي بإظهار إسلامها، بل تضيف إليه ما يزيد غيظهم، حين تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسها زوجة..! وفي هذا الحفل الحاشد أعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زواجه من ميمونة.. وحفاظاً منه على نصوص صلح الحديبية لم يبنِ بها في مكة، وطلب إلى مؤذنه أن يؤذن بالتوجه إلى المدينة. وحين أصبح في مكان من ضواحي مكة يدعى سرف على بعد عشرة أميال منها ضرب معسكره، وبنى بميمونة في قبة لها.
ميمونة في بيت النبوة
وصلت ميمونة (رضي الله عنها) إلى المدينة، واستقرت في البيت النبوي الطاهر زوجة كريمة، وأماً للمؤمنين فاضلة، تؤدي واجب الزوجية على خير ما يكون الأداء، سمعاً وطاعةً وإخلاصاً ووفاءً.
وضم إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجرتها أختها سلمى أرملة عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وسيد الشهداء…
في هذا العام فجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكبرى بناته زينت فقامت ميمونة (رضي الله عنها) تواسيه وتخفف ما به من ألم المصاب، ولم تكن لتثقل كاهله بشكوى أو طلب.
الوفاة
بعد أن لحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى، عاشت ميمونة سنين عدداً بلغت خمسين عاماً، أمضتها صلاحاً وتقوى، وفية لذكرى سيد ولد آدم، ورسول الهدى، ومعلم الإنسانية محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، لقد أحبت ميمونة فيه الروح والقلب وشفافية النبوة… وقد بلغ من وفائها لذكرى أكرم الأزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أوصت بدفنها في نفس المكان الذي بنى بها فيه، وهو سرف، ويروى أنها كانت تحج ذلك العام عام وفاتها، وداهمها المرض بعد أن أدت المناسك، وحين تماثلت للشفاء، حملت في هودجها إلى المدينة، وكان معها ابن أختها عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) فلما قارب الركب سرف هاجت بها الذكرى، وثارت في جوارحها… فلم يقوَ البدن الضعيف على التحمل فنزلوا بها هناك، وما هي إلا ساعات حتى لفظت الأنفاس الطاهرة، وصعدت روحها العفيفة البريئة إلى بارئها.
فقام ابن عباس (رضي الله عنه) بتجهيزها ودفنها.. (رضي الله عنها) وأنزل عليها شآبيب رحمته، وبوأها مقام الأبرار الصالحين.


سلسلة أمهات المؤمنين : ميمونة بنت الحارث (رضي الله عنها)(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع