مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


[فصل في الإنكار على السلطان والفرق بين البغاة والإمام الجائر]

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


26/05/2023 القراءات: 236  


[فصل في الإنكار على السلطان والفرق بين البغاة والإمام الجائر]
ولا ينكر أحد على سلطان إلا وعظا له وتخويفا أو تحذيرا من العاقبة في الدنيا والآخرة فإنه يجب ويحرم بغير ذلك ذكره القاضي وغيره والمراد ولم يخف منه بالتخويف والتحذير وإلا سقط وكان حكم ذلك كغيره.
قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك وقال عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر وقال ليس هذا صواب، هذا خلاف الآثار.
وقال المروذي سمعت أبا عبد الله يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكارا شديدا وقال في رواية إسماعيل بن سعيد الكف؛ لأنا نجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «ما صلوا فلا» خلافا للمتكلمين في جواز قتالهم كالبغاة قال القاضي: والفرق بينهما من جهة الظاهر والمعنى، أما الظاهر فإن الله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله تعالى: {وإن طائفتان} [الحجرات: 9] .
وفي مسألتنا أمر بالكف عن الأئمة بالأخبار المذكورة، وأما المعنى فإن الخوارج يقاتلون بالإمام وفي مسألتنا يحصل قتالهم بغير إمام فلم يجز كما لم يجز الجهاد بغير إمام انتهى كلامه.

وقال عبد الله بن المبارك
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ... منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان معضلة ... في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
وقال عمرو بن العاص لابنه يا بني احفظ عني ما أوصيك به: إمام عدل خير من مطر وبل وأسد حطوم خير من إمام ظلوم، وإمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.
قال ابن الجوزي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين التعريف والوعظ، فأما تخشين القول نحو يا ظالم يا من لا يخاف الله، فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شرها إلى الغير لم يجز، وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء قال: والذي أراد المنع من ذلك لأن المقصود إزالة المنكر وحمل السلطان بالانبساط عليه على فعل المنكر أكثر من فعل المنكر الذي قصد إزالته قال الإمام أحمد - رضي الله عنه -: لا يتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول وعصاه.
فأما ما جرى للسلف من التعرض لأمرائهم فإنهم كانوا يهابون العلماء فإذا انبسطوا عليهم احتملوهم في الأغلب، ولأحمد من حديث عطية السعدي: «إذا استشاط السلطان، تسلط عليه الشيطان» .
ووعظ ابن الجوزي في سنة أربع وسبعين وخمسمائة حضر الخليفة المستضيء بأمر الله وقال لو أني مثلت بين يدي السدة الشريفة لقلت يا أمير المؤمنين كن لله سبحانه مع حاجتك إليه، كما كان لك مع غناه عنك، إنه لم يجعل أحدا فوقك، فلا ترض أن يكون أحد أشكر له منك، فتصدق أمير المؤمنين بصدقات وأطلق محبوسين.
ووعظ أيضا في هذه السنة والخليفة حاضر قال: وبالغت في وعظ أمير المؤمنين فيما حكيته له أن الرشيد قال لشيبان: عظني. فقال يا أمير المؤمنين لأن تصحب من يخوفك حتى تدرك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى تدرك الخوف قال فسر لي هذا قال من يقول لك
أنت مسئول عن الرعية فاتق الله، أنصح لك ممن يقول أنتم أهل بيت مغفور لكم وأنتم قرابة نبيكم، فبكى الرشيد حتى رحمه من حوله، فقلت له في كلامي يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك، وإن سكت خفت عليك، وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك. انتهى كلامه.
ووعظ شبيب بن شيبة المنصور فقال: إن الله عز وجل لم يجعل فوقك أحدا، فلا تجعل فوق شكرك شكرا.
ودخل ابن السماك على الرشيد فقال له تكلم وأوجز، فقال: إن أخوف ما أخاف على نفسي الدخول إليك فغضب الرشيد وقال: لتخرجن مما قلت أو لأفعلن بك وأصنعن قال: أنت ولي الله في عباده فإن أنا لم أنصح لك فيهم وأصدقك عنهم خفت الله عز وجل في ذلك اتق الله في رعيتك، وخف المرجع إلى الله عز وجل، لم أر أحسن من وجهك فلا تجمله لجهنم حطبا.
وقال بعضهم: رب هالك بالثناء عليه ومغرور بالستر عليه، ومستدرج بالإحسان إليه وقال الفضيل إذا قيل لك أتخاف الله عز وجل فاسكت، فإنك إن جئت بلا جئت بأمر عظيم وهول، وإن قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه.
وقال أبو حاتم: كل ما يكره الموت من أجله فاتركه لا يضرك متى مت وقال سفيان: ينبغي لمن وعظ أن لا يعنف، ولمن وعظ أن لا يأنف، ويذكر من يعظه ويخوفه ما يناسب الحال وما يحصل به المقصود، ولا يطيل، ولكل مقام مقال، ولكل فن رجال.
والآيات والأخبار المتعلقة بالظلم والأمر بالعدل والتقوى والكف عن المحرمات مع اختلافها كثيرة مشهورة.
وفي الصحيحين أو صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت زوجها ومسئولة عنه، والعبد راع في مال سيده ومسئول عنه» .
قال الإمام أحمد - رضي الله عنه -: حدثني أبو اليمان حدثني إسماعيل بن عياش عن يزيد بن أبي مالك عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز وجل يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه فكه بره، أو أوثقه إثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة» إسناد حسن إن شاء الله تعالى.
وعن عبادة مرفوعا «ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه حتى يطلقه الحق أو يوبقه» وعن سعد بن عبادة مرفوعا معناه رواهما أحمد وإسنادهما ضعيف لكن لهذا المعنى طرق يعضد بعضها بعضا.
وفي البخاري من حديث أبي هريرة عن الإمارة «نعمت المرضعة وبئست الفاطمة» .
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أظنه عن أبي هريرة «سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم الإمام العادل» .


[فصل في الإنكار على السلطان والفرق بين البغاة والإمام الجائر]


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع