مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


خطاب القرآن الخالد وصيام شهر رمضان المبارك

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


03/04/2023 القراءات: 1555  


الحمدلله وكفى ثم الصلاة والسلام على نبيه المصطفى وعلى اله وأصحابه اهل الصدق والوفا وبعد:فان لخطاب القرآن الخالد مقاصد عظيمة ذاك الخطاب الذي استوعب كل الازمات فهو البلسم الوحيد للناس اجمعين بتلاوته اولا والعمل به ثانيا وبالتخلق به وتطبيق أحكامه واستخلاص مقاصده والكشف عن اسراره فهو خطاب الله للعالمين رحمة لأنه كلام الله المعجز المنزل على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب بالمصاحف المنقول بالتواتر والمتعبد بتلاوته فهو المعجزة العظمى اساس الاصلاح وسبب النهضة والمجد ففيه العقيدة الصحيحة السليمة لان فيه اسس كل الانظمة والاشتغال به يعد من افضل العبادات سواء بتلاوته اوبتدبر فيه قال تعالى(كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر اولوا الالباب)ص/29
ولأننا في شهر نزوله فلنبدأ بالخطوة الاولى نحو النجاة بقرأته والالمام بالحكمة الالهية الفلسفية لنزوله بهذا الوقت فلشهر رمضان خصوصية بالقرآن ليست كباقي الشهور(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)البقرة/185فقد نزلت في هذا الشهر المبارك الكتب السماوية على الانبياء عليهم السلام من اجل هداية البشر ونقلهم من الظلمات الى النور ففي اول ليلة منه نزلت صحف ابراهيم عليه السلام والتوراة لست مضين منه والانجيل لثلاث عشر ليلة خلت منه والزبور لثماني عشر منه واما القرآن فقد انزل في ليلة القدر لذا فان رمضان والقرآن متلازمان إذا ذكر رمضان ذكر القرآن وقد سمي شهر رمضان بشهر القرآن حيث كان رسول الله يتدارسه هو وجبريل في رمضان فعن عائشة رضي الله عنها في حديث وفاته صلى الله عليه وسلم وفيها أنها سألت فاطمة رضي الله عنها عن الذي أسرّ إليها النَّبِيِّ به فقالت أسرّ إلي"ان جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وانه عارضني العام مرتين ولا اراه الا حضر اجلي وانك اول اهل بيتي لحاقا بي"البخاري ومسلم وفي الصحيحين عن ابن عباس قال"كان النبي أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة"وفي هذا الحديث دليل على استحباب تلاوته ودراسته في رمضان واستحباب ذلك ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل وتجتمع فيه الهمم ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر لقوله تعالى(إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا)المزمل/6 وكان السلف يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال وبعضهم في سبع ويعضهم في كل عشر فكان قتادة يختم في كل سبع دائما وفي رمضان في كل ثلاث وفي العشر الأواخر كل ليلة وكان الزهري إذا دخل رمضان قال فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام بينما الامام مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن في حين كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن
لذا ينبغي أن يكون هناك وِرْد من تلاوة القرآن يحيا به القلب وتزكو به النفس وتخشع له الجوارح وبذلك يستحق شفاعة القرآن يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام"الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي ربي منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيُشفَّعان"رواه أحمد والحاكم بسند صحيح وجاء في المعجم الكبير للطبراني"قال احد الصحابة كنا مع رسول الله معنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا يارسول الله هل من قوم اعظم منا اجرا آمنا بك واتبعناك؟قال مايمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم الوحي من السماء بلى قوم يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به ويعملون بما فيه اولئك اعظم منكم اجرا اولئك اعظم منكم اجرا اولئك اعظم منكم اجرا"وبهذا التفاعل مع القرآن وصل المسلمون الاوائل الى مشارق الارض ومغاربها وكان لهم دورا فاعل في صناعة الحياة الكريمة وفي نجاح دعوة الاسلام عالميا
ان نزول القران في رمضان رسالة لنا لنجعل رمضان كله للقرآن فلا يفترق القرآن والصيام عن صاحبهما فيشفعان له يوم القيامة للحديث الشريف"يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"أحمد وأبو داود وإسناده حسن فمن اتخذ القرآن صاحبا له نال العطاء رغم ان لم يسأل الله شيئا فعن ابي سعيد قال رسول الله"يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ماأعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه"الترمذي
فتلاوة القرآن والعمل به هي التجارة الرابحة لقوله تعالى(ان الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور)فاطر/29 فمن يقرأ القرآن وهو عليه شاق فله اجران اجر التلاوة والمشقة للحديث"الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له اجران"مسلم وعن ابن عباس قال بينما النبي على المنبر اذ قال"آمين ثلاث مرات فسئل عن ذلك فقال اتاني جبريل فقال..ومن ادرك رمضان فلم يغفر له فابعده الله قل آمين فقلت آمين"رواه الطبراني في معجمه الكبيرفهذه دعوة من أفضل أهل السماء جبريل عليه السلام ويؤمِّن عليها أفضل أهل الأرض محمد صلى الله عليه وسلم فهل من مشمر لعمل الطاعات في هذا الشهر الكريم؟وهل من مستثمر لهذا الموسم العظيم؟فقد كان رسول الله أكثر الناس اجتهاداً ومن اجودهم في هذا الشهر العظيم وهكذا كان سلف الأمة كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام في هذا الشهر الكريم وكانوا إذا دخل عليهم تفرغوا لقراءة القرآن وعبادة الرحمن فيسمون هذا الشهر شهر القطيعة من الخلق والإقبال على الخالق فلنتسابق اذن عباد الله إلى الخيرات ولنتنافس على الطاعات(وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)المطففين/26وهكذا يكون الميزان الشرعي كما موضح في الحديث"القرآن حجة لك أو عليك"مسلم اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا ودليلنا إليك وإلى جنات النعيم اللهم ارزقنا الإكثار من تلاوته على ما تحب وترضى آمين والحمد لله رب العالمين


خطاب القرآن الخالد وصيام شهر رمضان المبارك


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع