فقه علم الكلام
أ.د. عقبة جنان الزاوي | Okba DJENANE al-Zawi
01/03/2023 القراءات: 353 الملف المرفق
تناول الفيلسوف طه عبد الرحمن علم الكلام بالدرس، في كتابه " أصول الحوار و تجديد علم الكلام" و " سؤال المنهج" و "اللسان و الميزان أو التكوثر العقلي"، لكنه لم يتناوله من حيث القضايا و الرّد على الشّبه الموجّهة للكلام التقليدي، بل اهتم بالآليات المنطقية التي يستعملها المتكلمون. و هو يرى أن التجديد في علم الكلام يكون في الآليات كمنهج "المناظرة"، نظراً للتحديات العقدية و الأخلاقية؛ كالعلمانية، و الحداثة و التراث، العولمة و العلمنة، إلخ.، و هي مقاربة يطلِق عليها " فقه علم الكلام" Metatheology، يعني وضع الفلسفة موضع نظر. و يجعل تحت علم الكلام جزءاً آخر يصطلح عليه "علم الكلام الفلسفي" Theology Philosophical و هو توسيع لعلم الكلام التقليدي، باستعمال الآليات و المفاهيم و المواضعات الحديثة، إضافة إلى استعمال الأدوات التي يتوسّل بها الفلاسفة، و إدخال نظريات الحوار و الحِجاج الرّاهنة في علم الكلام، و تجاوز مسائل قديمة من قَبيل القضاء و القدر و الحشر...
و يبرز الفرق بين الكلام و فلسفة الدين، في أن علم الكلام الفلسفي قد ينطلق من مسلمات عقدية يُسلّم بها بعد تبريرها عقليا، في حين أن فلسفة الدين لا تنطلق من مسلمات عقدية أو دينية. و هي تطبيق للمنهج و المسلمات الفلسفية، دون التسليم بما يتجاوز العقل الفلسفي أو "المجرّد"، أو العقل الوَضْعاني الذي لا يُسلِّم بالوحي أو الغيب.
و بينما تقوم المفاهيم و القضايا الدينية على مفهوم "القيمة"، يشتغل العقل المجرد دون قيم، و هذا حال العِلم بشكل عام. لذلك يدعو طه عبد الرحمن إلى عدم الاكتفاء باستخدام العقل "المجرَّد" في بيان المفاهيم و القضايا الدينية؛ بل يرى بأهمية استعمال عقل من نوع آخر، و هو العقل "المسدَّد"، الذي يقوم عليه "علم الكلام الحقيقي". فالعقل المسدد يجعل من القيمة أوّل مطلب له، و هو يَستلهمها من أسماء الله الحسنى، زيادة على أن هذه القيم هي صفات إلهية في الأشياء. ففي توسّل العقل بما أوحَى الله في تحقيق القيم تأييد يأخذ منه العقل صفة العقل "المؤيّد".
و يظهر تحدي علم الكلام الفلسفي اليوم، هو أن يشتغل على "فقه المعرفة"، ليصل إلى معرفة لا تخاصم الدين و لكن تخدمه، شريطة ألا يخل بالمقتضيات العقلية، خاصّة مع بروز قضايا عقدية خطيرة، تقوم على أفكار أو مواضعات تأسيسية، تعود في أصلها إلى فلسفة ديكارت R. Descartes ، مفادُها بأن كل المعارف ترجع إلى قضايا أولية لا يمكن دحضها. في حين يُثبِت العلم اليوم أن الأصول المعرفية يمكنها أن تتغير، بدعوى أن المقياس العقلي للإيمان لا يجب أن يُرد إلى مفاهيم تأسيسية ضرورة.
علم الكلام، فقه المعرفة، الاجتهاد الكلامي، فلسفة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة