مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (117)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


01/01/2024 القراءات: 395  


مزاح سيد الخلق صلى الله عليه وسلم:
قال المُناوي في «فيض القدير» (3/ 13):
«وذلك كقوله لامرأة: زوجك في عينه بياض.
وقوله في أخرى: ‌لا ‌يدخل ‌الجنةَ عجوز.
وقوله لأخرى [كذا والصواب: لآخر]: لأحملنك على ولد الناقة.
وقيل لابن عُيينة: المزاح سبة، فقال: بل سنة، ولكن مَن يحسنه؟
وإنما كان يمزح لأن الناس مأمورون بالتأسي به، والاقتداء بهديه، فلو تركَ اللطافةَ والبشاشةَ ولزمَ العبوسَ والقطوبَ لأخذ الناسَ مِن أنفسهم بذلك، على ما في مخالفة الغريزة من الشفقة [كذا ولعلها: الشدة] والعناء، فمزحَ ليمزحوا.
ولا يناقِض ذلك خبر: "ما أنا مِن دد ولا الدد مني" فإنّ الدد اللهو والباطل، وهو كان إذا مزح لا يقول إلا حقًّا، فمَنْ زعم تناقض الحديثين من الفرق الزائغة فقد افترى.
وقال الماوردي [في «أدب الدنيا والدين» ص: 310-311]: العاقل يتوخى بمزاحه أحد حالين لا ثالث لهما:
أحدهما: إيناس المصاحبين، والتودد إلى المخالطين، وهذا يكون بما أنس من جميل القول، وبُسط من مستحسن الفعل، كما قال حكيم [صرَّح الماوردي أنه سعيد بن العاص] لابنه: يا بني اقتصد في مزاحك، فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرئ السفهاء. والتقصير فيه نقص بالمؤانسين، وتوحش بالمخالطين. [في "الأدب" المطبوع: وإن التقصير فيه يفض عنك المؤانسين، ويوحش منك المصاحبين].
والثاني: أن ينبغي من المزاح [كذا والصواب: أنْ ينفي بالمزاح] ما طرأ عليه [مِنْ سأم]، وحدث به مِنْ همٍّ، وقد قيل: لا بد للمصدور أن ينفث.
ومزاح النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن ذلك.
وأتى رجل عليًّا كرم الله وجهه فقال: احتلمتُ بأبي! [كذا والصواب: بأمي] قال: أقيموه في الشمس، واضربوا ظلّه الحدَّ".
أما مزاح يفضي إلى خلاعة، أو يفضي إلى سُبة، فهجنة ومذمة". [انتهى كلام الماوردي].
قال ابنُ عربي: ولا يستعمل المزاح أيضًا في أحكام الدين، فإنه جهلٌ، قال تعالى مخبرًا عن قصة البقرة: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال: معناه لا أمزح في أحكام الدين، فإن ذلك فعل الجاهلين، ولكن اذبحوها فستروا الحقيقة فيها».
***
مذاكرة في المدرسة النظامية:
قال الإمام أحمد بن إسماعيل، أبو الخير الطالقاني القزويني (512-590): سألني بعضُ الفقهاء في المدرسة النظامية ببغداد في جُمادى الأولى سنة ست وسبعين وخمس مئة عمّا ورد في الخبر أنَّ ولد الزنا لا يدخل الجنة، وهناك جمعٌ من الفقهاء.
فقال بعضُهم: هذا لا يصح، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وذَكر أن بعضهم قال في معناه: أنه إذا عمل عمل أصليه وارتكب الفاحشة لا يدخل الجنة. وزَيَّفَ ذلك بأن هذا لا يختص بولد الزنا، بل حال ولد الرشدة مثله.
ثم فتحَ الله تعالى عليَّ جوابًا شافيًا لا أدري هل سُبقتُ إليه [أم لا] فقلتُ: معناه أنه لا يدخل الجنة بعمل أصليه، بخلاف ولد الرشدة فإنه إذا مات طفلًا وأبواه مؤمنان ألحق بهما وبلغ بدرجتهما [كذا والصواب: درجتهما] بصلاحهما، على ما قال تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء}، وولدُ الزنا لا يدخل الجنة بعمل أصليه، أمّا الزاني فنسبُه منقطع، وأمّا الزانية فشؤمُ زناها -وإنْ صلحتْ- يمنعُ مِن وصول بركة صلاحها إليه».
رأى هذا بخطه الإمام الرافعي كما في «التدوين في أخبار قزوين» (2/ 146).
***
أمهات الخلاق وقواعدها:
«قال بعضهم: الجامع للأخلاق، ومحاسنِ الشريعة على الإطلاق: الخلقُ الحسنُ، والأدبُ، والاتباعُ، والإحسانُ، والنصيحةُ، فهذه أمهات الأخلاق.
وقواعد الأخلاق أربعة: الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدل».
«فيض القدير» (6/ 449).
***
التصوف عند الطالقاني:
قال الإمام أبو الخير الطالقاني (ت: 590):
"التصوف: تعففٌ، وتشوفٌ، وتنظفٌ، وتلطفٌ، وتطرفٌ، وتشرفٌ، وتوقفٌ.
-عن مسألة الخلق: تعفُّف.
-وإلى الطاعات: تشوّف.
-وعن المناهي: تنظّف.
-ومع الخلق: تلطّف.
-ومع أهل الطريقة: تطرُّف.
-وبمكارم الأخلاق: تشرُّف.
-وفي المقال، والمطعم، والملبس: توقُّف.
وحُكي عنه أنه كتبَ معها أنها مِن فتوح الغيب.
«التدوين في أخبار قزوين» (2/ 147).
***
🌴بين يدي رأس السنة الميلادية"
(قبيل رأس كلّ سنة ميلادية تتكررُ مسائل تشغلُ الوسطَ الديني كحكم المفرقعات النارية، وشراء الحلويات والمعجنات، وتبادل التهاني والتبريكات، وإقامة الحفلات وخروج الناس في الطرقات، وغيرها من المستجدات في المجتمعات.
وإن إعطاء الحكم الشرعي في مثل هذه القضايا لا يخرج عن الوجوب الكفائي.
لكنْ ما يغيب عن الساحة هو التأسيس القوي والعمل الجادّ للانتماء الحقيقي الصحيح والتقعيد له والعمل المتواصل في البناء على مدار السنة لا قبيل رأسها من غير إفراط ولا تفريط، ومن غير تمييع أو تشديد، ومن غير أعذار أو استتار، على بصيرَةٍ ويقِينٍ وبُرهانٍ شرعيٍّ وعقليٍّ.
غياب (الوالدَين) عن متابعة أحوال العائلة، وإبداء النصح والإرشاد لها، ومعالجة المشكلات على مدار السنة، وعدم قناعتهما بمهمتهما الأبوية، وانغماسها في الملذات، ونظرهما الى دونية مهمتهما: لا يعطيهما قوة ولا فاعلية في تحقيق المطلوب في القرارت المصيرية.
وغياب (الخطيب والواعظ، والمدرّس والمعلّم) عن مجتمع التلقّي من حوله، وعدّه نفسه موظفًا في مكان وجوده، وتفكيره بالانتقال إلى مكان عمل آخر يظنّه أشرف دنيويًا وأنفع ماديًا وأرضى له نفسيًا: لا يجعله مؤثرًا ومرشدًا للتغيير الإيجابي، وتوجيه بوصلة المجتمع إلى الهدف الحقيقي والمقصد الرباني والمنهج النبوي.
وغياب (الأخ الكبير والصديق والمصاحب) عن مهتمه وأدائه لأمانة الصحبة والأصدقاء، وانجراره إلى ملذات الاجتماع ونزوات الزملاء وعدم تعكير صفو اللقاء: لا يحقق المطلوب، ولا يوصل إلى المرغوب.
الدعوة ليست وظيفة، وليست درجة علمية، وليست منصبًا إداريًا، وليست رغبة شخصية، الدعوة مهمة نبوية، وتكاليف ربانية، ومسؤولية شرعية (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).
✍️ مصعب سلمان أحمد – سامراء (31/ 12/ 2023م).
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع