مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


مراهقة مُختلقة: كيف غيّر الغرب مفهوم البلوغ وهندس عقول شبابنا"

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


24/08/2024 القراءات: 121  



سيدورهذا الموضوع حول: سرقة العقد: كيف نهب الغرب منا أزهى سنوات عمرنا؟! وما هو ثمن تقليد الثقافة الغربية؟! وكيف أن البلوغ حقيقة لا وهم فيها، كما سيكون بمثابة دعوة لاستعادة هيبة الشباب، ثم نجيب: هل المراهقون مجرمون بالفطرة؟ أسئلة تطرحها الثقافة الغربية.
فرض الغرب المتقدم ثقافته وقيمه على دول العالم الثالث من خلال الغزو الثقافي ومن خلال الضغط والمصالح التي تمارسها الإمبريالية العالمية مع أنظمة هذه الدول. ومن أخطر ميادين هذا الغزو، يأتي الغزو التربوي، ومن أخطر صوره هو تهميش الشباب وسلب المسؤولية منهم، وسرقة أهم مراحل عمر الإنسان، حيث اعتبار البالغ المكلف مراهق طائش لا مسؤولية عليه.
وقد جاءت اعتبار مرحلة ما بين العاشرة إلى الحادية والعشرين مرحلة مراهقة (طيش) تسبق البلوغ، رغم أن الثقافة الإسلامية متمثلة في الشريعة والتاريخ والتقاليد تقتضي اعتبار البالغ غالبا (١٤) مكلفا يجري عليه ما على الكبار من تكاليف ومسؤوليات. إلا أن الثقافة الغربية الدخيلة اعتبرت أزهى فترات العمر مرحلة رعونة وطيش تسبق البلوغ.
واستطاع الغرب بدس وتمرير هذا المصطلح علينا بل وربطه بصفات وضيعة ألبسها الشباب ظلما واعتداء لنقوم بتهميشه وتحطيم الشباب، فمن هذه الصفات صفة «السفاهة» و«الرعونة» و«التمرد» و«سوء التصرف» و«عدم الاتزان» و«عدم الاعتماد عليه» وغيرها من الصفات السيئة للأسف، ونحن قبلناها بل اذا بدر منهم أي تصرف غير لائق قلنا: دعوه انه مراهق.
وقد ترتب على ذلك سن قوانين وتشريعات خاصة لهذه المرحلة منها ما يتعلق بالعقوبات ومنها ما يتعلق بالتعليم ومنها ما يتعلق بالمشاركات السياسية والاجتماعية، ومنا ما يتعلق بالشؤون الاقتصادية.. تسببت في ظهور مشكلات كبيرة جدا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول.
أما حقيقة الأمر في الثقافة الإسلامية، فإن الإنسان من العاشرة إلى البلوغ تقريبا ١٤ عام هي مرحلة انتهاز الحلم والتأهيل من الطفولية إلى الرجولية والتكليف، ويسمح الشرع فيها بمعاقبة الطفل طالما استوفى حقه من التدريب والتربية في المرحلة السابقة، وإذا بلغ الحلم لا يسمح الشرع بمعاقبته إلا بما يعاقب به البالغون.
ومن الخامسة عشر إلى الأربعين هي فترة القوة البدنية والعقلية وذروتها في الثلاثين، وعند تمام الأربعين يكون النضج العقلي والقوة البدنية قد وصل إلى ذروته، وما بعد انحدار.
لفظ كلمة «مراهق» في اللغة تعني اقترب من الشيء يقولون: راهق الغلام الحلم يعني اقترب الغلام من سن البلوغ وهذا ما أكدته معاجم اللغة العربية كلسان العرب لابن منظور وغيره من المعاجم.. يقول ابن القيم في كتابه تحفة المودود في أحكام المولود: فصل.. ثم بعد العشر الى سن البلوغ يسمى مراهقا ومناهزا للاحتلام، فإذا بلغ خمس عشرة سنة عرض له حال آخر، بهذا الكلام يتبين لنا من هو المراهق في الشريعة.
ولا شك أن الإنسان إلف العادة"، سيظل الإنسان طفلا طالما يعامله المجتمع كطفل ولو بلغ من الكبر عتيا، إن الله الذي خلق النفس قرر انتهاء طفولة الإنسان العادي بمجرد البلوغ، وأهل علم النفس الأمارة ينهونها بعد انتهاء ثلث العمر (المراهقة). فأيهما أدرى بمكنونات النفس البشرية؟!
وقد تعالت صيحات بعض العقلاء باعتبار هذه المرحلة مرحلة بلوغ وتكليف، منهم مارسيل هكتر الذي قرر أن التعليم الحديث يفصل الشباب عن عالم الكبار ويعاملهم معاملة الصغار ، وهو بذلك يتطلع لإلغاء فترة المراهقة، وربط النظري بالعملي.
وذلك لأن النظرة الغربية القاصرة تجاه هذه المرحلة تضيع على الأمم أزهى 10 أعوام من عمر الإنسان، من خلال تهميش الشباب، كما أنها تضع البالغ في إطار الطفولية وتنفي عنه المسئولية، فيشب طفلا لاهيا مائعا ممتع في الحلية وهو في الخصام غير مبين، ومن كان هذا شأنه فمن الصعب مواجهته لتبعات هذه الميوعة وتحمله المسئولية، فيظل عالة على مجتمعه الصغير (الأسرة) والكبير (الدولة) على حد سواء، ويظل يلقى باللائمة على كلاهما في كل ما يعن له من أمر، كالعمل والزواج ...
أما التربية الإسلامية فتحمل الإنسان المسئولية فور البلوغ فيشتد عوده ويقوى ساعده، فيستقل بجهده وفكره ويضيف لمجتمعه، وما جيل الصحابة منا ببعيد فقد كان جلهم من جيل المراهقين (في عصرنا الحالى)، لكنهم قد ألفوا حياة الكبار فصاروا قادة للجند ومستشارين للدولة وقضاة في النزاعات ومبعوثين ممثلين أمام الدول.


تربية، فكر، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع