مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (163)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


09/03/2024 القراءات: 502  


-زاد المسير في علم التفسير:
يوم الجمعة (21) من المحرم (1444) = (19/8/2022م).
قلتُ اليوم هذه الأبيات، وأرسلتها إلى الأخ الدكتور الشيخ عبدالعزيز السيد في "الدوحة":
جزى الله شهمًا زوَّد الناسَ زادَهم وخيرُ عطايا الشهم: (زادُ مسيرِ)
و(عبدالعزيز السيّدُ) الندبُ لم يزلْ وفيًّا حفيًّا باذلًا لكثيرِ
إذا جاءَ جاء العلمُ واللطفُ والهدى وضُمِّخ بالأطياب كلُّ أثيرِ
ولا عجبٌ، هل يَعجبُ الناسُ إنْ بدا من (الدوحة) الغنّاءِ نفحُ عبيرِ؟
وقد تكرم بالكتاب المذكور، جزاه الله خيرًا.
***
-القرآن والعربية للدكتور فيصل الحفيان:
"لا كتاب في قناعاتنا -نحن المؤمنين بالقرآن- ثوَّر العلم تثويرًا كما فعل القرآن، ولا يخالف أهلُ العقل والإنصاف والحَيْدة من غير المؤمنين به في هذه الحقيقة، بل إنَّنا نجاوز ذلك مجاوزةً، فنمدُّ الحكم نفسَه إلى المستقبل، مقرِّرين أنَّ النفي الذي سلف نفيٌ لجنس الكتاب؛ أيِّ كتاب، أكان سابقًا للقرآن من الكتب السماوية وغيرها، أم لاحقًا من كتب البشر.
ثوَّر القرآن الكريم العلمَ؛ بآياته وبمضامينها، وثوَّره بتنزُّله في حياة الناس، ليصدِّق الحراكُ العظيمُ النصَّ، ويكونَ شاهدًا له.
القرآن كتابٌ معجز، وما نقصد بـ(الإعجاز) هنا ألوانَ الإعجاز المرتبط بنصَّه، والتي ينصرف الذهنُ إليها باديَ الرأي، وإنَّما نقصد إعجازه في أنه كتابٌ أو لِنَقلْ (نور) ليس كأيِّ نورٍ، ضرب الله مثلًا بليغًا (كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غريبة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور) [النور: 35].
(كتاب) نورٌ على نور لهداية الناس، و(كتاب) نورٌ على نور لعلمهم وحضارتهم، (مشعٌّ) منه انبعث علومُ الحضارة الإسلامية جميعًا، ثمَّ إنَّها عادت إليه لتدور في فلكه أو في أفلاكه.
إنَّه إعجازٌ آخَرُ، فقد يبدأ العلم من كتابٍ، لكنَّه لا يلبث أن ينبتَّ عنه، ويضربَ في مفاوز ربَّما لا تكون لها علاقةٌ به، فإن ظلَّ الحبل موصولًا، فإنَّه يبقى ضعيفًا واهيًا يكاد ينقطع.
والمفارقة اللافتة التي لا تغيب أنَّ العلم الذي ثوَّره القرآنُ ليس العلمَ الدينيَّ واللغوي الذي هو أوثقُ اتِّصالًا به بوصفه كتابَ هداية، وإنَّما هو العلم بإطلاق، ما كان منه دينًا ولغةً بالطبع، وما كان وراء ذلك ممَّا يطلق عليه اليوم (العلوم الإنسانية) من مثل التاريخ والجغرافيا وغيرِهما، وما كان مرتهنًا بالطبيعة والكون، أو كان ذا صلةٍ بالإنسان نفسه؛ روحِه وجسده وعلاقاتِه مع بني جنسه، ومع الكائنات الأخرى التي تشاركه على هذه البسيطة.
سؤال الجدل الواقع في كتاب الله تعالى وعلومِ العربية وعلومها تحديدًا ليس سؤالًا مستحدَثًا، هو سؤال قديم، لربَّما ترافق مع نزوله أو تنزله بوساطة أمين الوحي جبريل عليه السلام على محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وإن لم يتجلَّ على الفور كتابًا أو كتبًا علمية من جهة، وإن لم يكتمل الوعيُ بهذا الجدل نظريًّا على الأقلِّ في بداية الأمر من جهةٍ أخرى.
ولم يتأخَّر ذلك كثيرًا، فهذا مجاهدٌ صاحب عبدالله بن عباس رضي الله عنه يقول: "لا يحلُّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلَّم في كتاب الله إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب". أمَّا إمام الحرمين فيجاوز الحكم الفقهيَّ التحريميَّ لمجاهد، ليتحدَّث عمَّا أسماه (الارتواء) و(الفهم) نعم (الارتواء والفهم) ليقول: "الارتواء من العربية سبيلٌ إلى إدراك كلام رب العالمين، وذريعةٌ إلى فهم مقاصد الشريعة السمحة".
الزمخشريُّ صاحب «الكشَّاف» يقرِّر افتقارَ العلوم الإسلامية إلى العربية، وهو -بالطبع- يريد علومَها، يقول: "ما من علمٍ من العلوم الإسلامية من فقهٍ وكلام وتفسير وأخبارٍ إلَّا وافتقارُه إلى العربية بيِّنٌ مكشوفٌ لا يتقنَّع".
شيخ الإسلام ابن تيميةَ في (اقتضاء الصراط المستقيم) يعكس حكمَ مجاهدٍ أو يقلبه، فبدلًا من أن يقرِّر الحرمة، يقرِّر (وجوب) معرفة العربية ويربطها بالدين "إنَّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتَها فرضٌ واجبٌ"، ويعلِّل "فإنَّ فهم الكتاب والسنَّة فرضٌ وواجب، ولا يُفهَم إلَّا بفهم اللغة العربية، وما لا يتمُّ الواجبُ إلَّا به فهو واجب".
لم تكن العربيةُ شأن لغات الكتب السماوية السابقة لغةَ حاملةً للتوجيه الإلهي فحسب، بل هي (أعني العربية) في ذاتها مناطُ إعجازٍ، فكأنَّها انعتقتْ من كونها مجرَّدَ لغةٍ، لتغدوَ فوق اللغة، وما عاد التفكير فيها على أنَّها خارجُ البيان الإلهي، لذلك كان حفظها، ولذلك تعذَّر استبدالُها تعذرًا، فلم تصحَّ العبادات بغيرها، حتى لو اختلفت لغةُ المؤمن، وكان النقلُ منها نقلًا للمعاني، أمَّا الحروف والألفاظ والتراكيبُ فلا ينوب عنها حروفٌ، ولا يُستبدل بها ألفاظٌ، ولا تقوم مقامَها تراكيبُ. إنَّ البيان الإلهيَّ لا يتحقَّق بغيرها، ولا تحتمل معانيَه إلَّا ديباجتُها.
رفع القرآنُ الكريم العربيَّةَ، فجعل منها لغةً إلهيَّةً (لا عالميَّةً فحسب) فارتدَّت إليه لتتمحْوَرَ أو تكاد حول أصواته وحروفه وألفاظِه وتراكيبه ونظمِه ودلالاته، فإذا بنا أمام -بحسب علمائنا القدامى- اثني عشر عِلْمًا رئيسة، نظَمَها ابنُ الطيِّب المغربي:
خذ نَظْمَ آدابٍ تَضَوَّع نشرُها ... فطوى شذا المنثور حين يضوعُ
لغةٌ وصرفٌ واشتقاق ونحْوُها ... عِلْمُ المعاني بالبيان بديعُ
وعَروضُ قافية وإنشا نظمها ... وكتابةُ التاريخ ليس يضيعُ
هذه العلوم (وغيرُها بالطبع) هي التي غدت أدوات ووسائلَ لفهم كتاب الله وتفسيره وتدارسِه وتدبُّرِه.
حبلٌ من الله ربط بين القرآن والعربية، وعلوم القرآن وعلوم العربية، حبلٌ سُرِّيٌّ بعث الحياة في هذه اللغة الشريفة وابتعثها، ونفخَ فيها الروحَ، فإذا (العلم) القرآنيُّ واللغويُّ بخاصة، والعلم الإسلامي بعامة يعلو ويتراكم عبر الزمان حتى يبلغ عنانَ السماء".
بيان: ألقى الأستاذ الدكتور فيصل هذه الكلمة في افتتاح حلقة "القرآن وعلوم العربية الغاية والأداة"، في برنامج "على التخوم".
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع