من الفساد إلى الفلاح: رحلة استعادة الوعي في أمتنا
د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim
04/08/2024 القراءات: 169
تتوالى المآسي على هذه الأمة تترا الفاجعة تلو الفاجعة والمحنة تتبع المحنة في حالة مزرية من الضعف والهوان، بل الأغرب هو الاستسلام للهوان والأشد غرابة هو استمراء حالة الهوان والتكيف معه والدفاع عنه.
أمة تبني ولائها وبرائها على كرة القدم، أمة ينشغل الرأي العام فيها بإطلالة ممثلة، أمة تحزن وتفرح لحالة مغنية، أمة تنبطح لعدوها وتشد على أبناءها، أمة تهين رموزها وترفع سفلائها.. هي أمة مغيبة الوعي فاقدة الإدراك، أبناءها سكارى الترف، غارقون في اللهو والعبث، كبلهم الإعلام الموجه، فجرت فيهم سنة الله في خلقه بفسقهم، والفسق: هو الخروج عن المألوف سواء في أمور الدين أو الدنيا، قال تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين". فالمجتمع الذي خرج أفراده عن المعتاد والمألوف، مجتمع يسهل تضليلة؛ لأنه أصبح مؤهل للانحراف والتضليل، وقال تعالى: "إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها"؛ لأن الانغماس في الترف والتنعم بريد التطرف على المعتاد والمألوف، والتطرف أو الفسق بريد الهلاك وتغييب الوعي.
لا شك إن وراء المآسي التي تتوالى على الأمم ، والصعوبات والمحن التي تنتاب المجتمعات ، فلسفة وحكمة . على الرغم من أن البعض يزعم أن الصدفة تلعب دوراً أساسياً فيما يجري عليه، ونحن ـ كمسلمين ـ نرفض هذا الرأي، ونرى أن كل شيء في هذا الكون بمقدار ؛ فما من سكون وحركة ، وضر ونفع ، إلاّ في كتاب مبين.
وفي كل مرحلة من مراحل البلاء يكون الهدف هو اليقظة واستعادة الوعي ؛ أي أن يستيقظوا ، وينتقدوا أنفسهم ، ويعودوا الى رشدهم ، ويعترفون بخطأهم وانحرافهم . فان لم يصلوا الى هذا المستوى ، فان الخالق سوف ينـزل عليهم بلاءات أخرى أشدّ ، حتى تحين فرصتهم في الاعتبار من هذا البلاء . وحينئذ يفتح الله تعالى عليهم أبواب الرحمة ، وإذا بهم بعد ذلك يفرحون ، ويعلون في الأرض ، ويعيثون فيها الفساد ، وعند ذلك يأخذهم الخالق بأشدّ البلاء.. وهكذا يرتبط فقدان الوعي للأمم بترفها؛ لأن الترف مدعاة للفسق، والفسق مدعاة للهلاك.
استعادة الوعي
والذي يصيبنا الآن ـ نحن المسلمين ـ هدفه وحكمته أن نستعيد وعينا ، وأن نقف موقف الناقد من أنفسنا ، وأن نسأل أنفسنا : لماذا هذه الابتلاءات ؟ فان انتبهنا ، واستيقظنا ، وعدنا الى رشدنا ، رفع الله تعالى عنّا البلاء . وإن لم نفعل ذلك ، فان هذا البلاء سوف يزداد ، وستأتي مراحل شديدة وصعبة إذا لم نتّعظ . وفي هذا المجال يقول عز من قائل : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 3.
إن قضية الوعي في أمتنا هي بالفعل جوهر التحديات التي تواجهنا، وهي المفتاح لحل العديد من المشكلات التي نعاني منها. السؤال عن كيفية استعادة الوعي المفقود هو سؤال محوري يتطلب منا جميعًا التفكير العميق والتحليل الشامل.
أسباب فقدان الوعي
قبل أن نتطرق إلى الحلول، دعونا نلقي نظرة سريعة على بعض الأسباب التي أدت إلى فقدان الوعي أو الفسق والخروج عن المألوف في أمتنا:
التجهيل المتعمد: تاريخنا يشهد محاولات متكررة لتجهيل الشعوب وإبعادهم عن المعرفة الحقيقية.
الاستعمار الثقافي: فرض ثقافات وأفكار غريبة علينا، مما أدى إلى تآكل هويتنا وتراثنا.
الإعلام الموجه: استخدام وسائل الإعلام لتضليل الرأي العام وتوجيهه نحو أجندات محددة.
الأنانية والفردية: غلبة المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، مما أدى إلى تآكل الروابط الاجتماعية.
خطوات عملية لاستعادة الوعي:
لاستعادة الوعي المفقود، علينا العمل على عدة جبهات:
التعليم الحقيقي: يجب أن يكون التعليم هو الأساس، تعليم يركز على تطوير الفكر النقدي والتحليلي، ويعزز القيم الأخلاقية والإنسانية.
الإعلام المستقل: دعم وسائل الإعلام المستقلة التي تسعى إلى نشر الحقيقة وتوعية الناس.
الحوار والنقاش: تشجيع الحوار البناء والنقاش الحر حول القضايا المختلفة، وتقبل الرأي الآخر.
القراءة والاطلاع: تشجيع القراءة والاطلاع على مختلف المصادر، سواء كانت كتبًا أو مقالات أو مواقع إلكترونية.
الوعي بالهوية: التعرف على هويتنا وتراثنا، والاعتزاز بهما.
التعاون والتكاتف: العمل معًا لتحقيق أهدافنا المشتركة، والتغلب على التحديات التي تواجهنا.
دور الأفراد والمؤسسات
كل فرد في المجتمع له دور مهم في استعادة الوعي. يمكننا جميعًا أن نساهم في هذا الجهد من خلال:
تثقيف أنفسنا والآخرين: مشاركة المعلومات المفيدة، وتنظيم ورش عمل وندوات.
دعم المبادرات الإيجابية: التطوع والعمل في المشاريع التي تساهم في بناء مجتمع أفضل.
نشر الوعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي: استخدام هذه المنصات لنشر الأفكار الإيجابية والتوعية بالقضايا المهمة.
في الختام، قضية الوعي هي قضية الجميع. إنها مسؤولية مشتركة علينا جميعًا أن نتحملها. من خلال العمل الجاد والمتواصل، يمكننا أن نستعيد وعي أمتنا ونبني مستقبلًا أفضل لأجيالنا القادمة.
وعي، أمة، فكر
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع